الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦١٧
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون.
____________________
(أن النفس) مأخوذة (بالنفس) مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق (و) كذلك (العين) مفقوءة (بالعين والأنف) مجدوع (بالأنف والاذن) مصلومة (بالاذن والسن) مقلوعة (بالسن والجروح قصاص) ذات قصاص وهو المقاصة، ومعناه ما يمكن فيه القصاص وتعرف المساواة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت (فمن تصدق) من أصحاب الحق (به) بالقصاص وعفا عنه (فهو كفارة له) فالتصدق به كفارة للمتصدق يكفر الله من سيئاته ما تقتضيه الموازنة كسائر طاعاته. وعن عبد الله بن عمرو يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به. وقيل فهو كفارة للجاني إذا تجاوز عنه صاحب الحق سقط عنه ما لزمه. وفي قراءة أبي:
فهو كفارته له: يعني فالمتصدق كفارته له: أي الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها، وهو تعظيم لما فعل كقوله تعالى - فأجره على الله - وترغيب في العفو. قفيته مثل عقبته إذا أتبعته، ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به، فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء. فإن قلت: فأين المفعول الأول في الآية؟ قلت: هو محذوف والظرف الذي هو (على آثارهم) كالساد مسده، لأنه إذا قفي به على أثره فقد قفى به إياه، والضمير في آثارهم للنبيين في قوله - يحكم بها النبيون الذين أسلموا - وقرأ الحسن الإنجيل بفتح الهمزة، فإن صح عنه فلانه أعجمي خرج لعجمته عن زنات العربية كما خرج هابيل وآجر (ومصدقا) عطف على محل فيه هدى ومحله النصب على الحال (وهدى وموعظة) يجوز أن ينتصب على الحال كقوله مصدقا، وأن ينتصبا مفعولا لهما كقوله وليحكم، كأنه قيل وللهدى والموعظة آتيناه الإنجيل، وللحكم بما أنزل الله فيه من الاحكام. فإن قلت: فإن نظمت هدى وموعظة في سلك مصدقا فما تصنع بقوله وليحكم؟ قلت: أصنع به ما صنعت بهدى وموعظة حين جعلتهما مفعولا لهما، فأقدر وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه. وقرئ وليحكم على لفظ الامر بمعنى: وقلنا ليحكم. وروي في قراءة أبي وأن ليحكم بزيادة أن مع الامر على أن موصولة بالامر كقولك أمرته بأن قم، كأنه قيل: وآتيناه الإنجيل، وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل. وقيل إن عيسى عليه السلام كان متعبدا بما في التوراة من الاحكام لان الإنجيل مواعظ وزواجر والاحكام فيه قليلة، وظاهر قوله - وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه - يرد ذلك، وكذلك قوله - لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا - وإن ساغ لقائل أن يقول معناه: وليحكموا بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل
(٦١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 623 ... » »»