الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦١٣
للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة
____________________
كتابه من قولك الملك يسمع كلام فلان، ومنه سمع الله لمن حمده (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) يعني اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجافوا عنه لما أفرط فيهم من شدة البغضاء وتبالغ من العداوة: أي قابلون من الأحبار، ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك. وقيل سماعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل أن يكذبوا عليه بأن يمسخوا ما سمعوا منه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، سماعون من رسول الله لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منه.
وقيل السماعون بنو قريظة والقوم الآخرون يهود خيبر (يحرفون الكلم) يميلونه ويزيلونه (عن مواضعه) التي وضعه الله تعالى فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع (إن أوتيتم هذا) المحرف المزال عن مواضعه (فخذوه) واعلموا أنه الحق واعملوا به (وإن لم تؤتوه) وأفتاكم محمد بخلافه (فاحذروا) وإياكم وإياه فهو الباطل والضلال. وروي أن شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة، فكرهوا رجمهما لشرفهما، فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا: إن أمركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا، وأرسلوا الزانيين معهم، فأمرهم بالرجم، فأبوا أن يأخذوا به، فقال له جبريل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال: هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا؟ قالوا نعم وهو أعلم يهودي على وجه الأرض، ورضوا به حكما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟ قال: نعم، فوثب عليه سفلة اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزانيين فرجما عند باب مسجده (ومن يرد الله فتنته) تركه مفتونا وخذلانه (فلن تملك له من الله شيئا) فلن تستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئا (أولئك الذين لم يرد الله) أن يمنحهم من ألطافه
(٦١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 618 ... » »»