____________________
فذهب يجيبني، تريد معنى الإرادة والقصد للجواب كأنهم قالوا أريد إقتالهم، والظاهر أنهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وقلة مبالاة بهما واستهزاء وقصدوا إذهابها حقيقة بجهلهم وجفاهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل وسألوا بها رؤية الله عز وجل جهرة، والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم. ويحكى أن موسى وهارون عليهما السلام خرا لوجوههما قدامهم لشدة ما ورد عليهما فهموا برجمهما، ولامر ما قرن الله اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله - لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا - لما عصوه وتمردوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق به إلا هارون (قال رب إني لا أملك) لنصرة دينك (إلا نفسي) وأخي وهذا منالبت والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة، ونحوه قول يعقوب عليه السلام - إنما أشكو بثي وحزني إلى الله - وعن علي رضي الله عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة فما أجابه إلا رجلان، فتنفس الصعداء ودعا لهما وقال: أين تقعان مما أريد. وذكر في إعراب أخي وجوه: أن يكون منصوبا عطفا على نفسي أو على الضمير في إني بمعنى: ولا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه، ومرفوعا عطفا على محل إن واسمها كأنه قيل: أنا لا أملك إلا نفسي وهارون كذلك لا يملك إلا نفسه، أو على الضمير في لا أملك، وجاز للفصل ومجرورا عطفا على الضمير في نفسي وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور إلا بتكرير الجار. فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟ قلت: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره، ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه، ويجوز أن يريد ومن يؤاخيني على ديني (فافرق) فافصل (بيننا) وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون وهو في معنى الدعاء عليهم ولذلك وصل به قوله - فإنها محرمة عليهم - على وجه التسبيب أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله - ونجني من القوم الظالمين - (فإنها) فإن الأرض المقدسة (محرمة عليهم) لا يدخلونها ولا يملكونها. فإن قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله التي كتب الله لكم؟
قلت: فيه وجهان أحدهما أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها، فلما أبوا الجهاد قيل فإنها محرمة عليهم.
والثاني أن يراد فإنها محرمة عليهم أربعين سنة فإذا مضت الأربعون كان ما كتب. فقد روي أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل وكان ويوشع على مقدمته، ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء الله، ثم قبض صلوات الله عليه.
وقيل لما مات موسى بعث يوشع نبيا فأخبرهم بأنه نبي الله وأن الله أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين وأخرجهم وصار الشام كله لبني إسرائيل. وقيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها وهلكوا في التيه، ونشأت نواشئ من ذرياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما محرمة وإما يتيهون، ومعنى (يتيهون في الأرض) يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا، والتيه: المفازة التي يتاه فيها، روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم
قلت: فيه وجهان أحدهما أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها، فلما أبوا الجهاد قيل فإنها محرمة عليهم.
والثاني أن يراد فإنها محرمة عليهم أربعين سنة فإذا مضت الأربعون كان ما كتب. فقد روي أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل وكان ويوشع على مقدمته، ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء الله، ثم قبض صلوات الله عليه.
وقيل لما مات موسى بعث يوشع نبيا فأخبرهم بأنه نبي الله وأن الله أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين وأخرجهم وصار الشام كله لبني إسرائيل. وقيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها وهلكوا في التيه، ونشأت نواشئ من ذرياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما محرمة وإما يتيهون، ومعنى (يتيهون في الأرض) يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا، والتيه: المفازة التي يتاه فيها، روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم