الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٠٤
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين. قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون.
____________________
أن يراد لا ترتدوا على أدباركم في دينكم بمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم. فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة. الجبار فعال من جبره على الامر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد (قال رجلان) هما كالب ويوشع (من الذين يخافون) من الذين يخافون الله ويخشونه كأنه قيل رجلان من المتقين، ويجوز أن تكون الواو لبني إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف تقديره من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون وهما رجلان منهم (أنعم الله عليهما) بالايمان فآمنا قالا لهم: إن العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم وازحفوا إليهم فإنكم غالبوهم، يشجعانهم على قتالهم. وقراءة من قرأ يخافون بالضم شاهدة له، وكذلك أنعم الله عليهما كأنه قيل من المخوفين، وقيل هو من الإخافة ومعناه: من الذين يخوفون من الله بالتذكرة والموعظة، أو يخوفهم وعيد الله بالعقاب. فإن قلت: ما محل أنعم الله عليهما؟ قلت: إن انتظم مع قوله من الذين يخافون في حكم الوصف لرجلان فمرفوع، وإن جعلا كلاما معترضا فلا محل له. فإن قلت: من أين علما أنهم غالبون؟
قلت: من جهة إخبار موسى بذلك وقوله تعالى - كتب الله لكم - وقيل من جهة غلبة الظن وما تبينا من عادة الله في نصرة رسله وما عهدا من صنع الله لموسى في قهر أعدائه وما عرفا من حال الجبابرة، والباب باب قريتهم (لن ندخلها) نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التأكيد المؤيس، و (أبدا) تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول، و (ما داموا فيها) بيان للأبد (فاذهب أنت وربك) يحتمل أن لا يقصدوا حقيقة الذهاب ولكن كما تقول كلمته
(٦٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 599 600 601 602 603 604 605 606 607 608 609 ... » »»