الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٠٩
أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون. إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض
____________________
ذلك بحذف الهمزة وفتح النون لالقاء حركتها عليها، وقرأ أبو جعفر من أجل ذلك بكسر الهمزة وهي لغة فإذا خفف كسر النون ملقيا لكسرة الهمزة عليها (بغير نفس) بغير قتل نفس لا على وجه الاقتصاص (أو فساد) عطف على نفس بمعنى أو بغير فساد (في الأرض) وهو الشرك، وقيل قطع الطريق (ومن أحياها) ومن استنفذها من بعض أسباب الهلكة قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك. فإن قلت: كيف شبه الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم؟ قلت: لان كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة، فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس فلا فرق إذا بين الواحد والجميع في ذلك. فإن قلت: فما الفائدة في ذكر ذلك؟ قلت: تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس من الجسارة عليها ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها، لان المتعرض لقتل النفس إذا تصور قتلها بصورة قتل الناس جميعا عظم ذلك عليه فثبطه، وكذلك الذي أراد إحياءها. وعن مجاهد قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله والعذاب العظيم، ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك. وعن الحسن: يا ابن آدم أرأيت لو قتلت الناس جميعا أكنت تطمع أن يكون لك عمل يوازي ذلك فيغفر لك به؟ كلا إنه شئ سولته لك نفسك والشيطان، فكذلك إذا قتلت واحدا (بعد ذلك) بعد ما كتبنا عليهم وبعد مجئ الرسل بالآيات (لمسرفون) يعني في القتل لا يبالون بعظمته (يحاربون الله ورسوله) يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاربة المسلمين في حكم محاربته (ويسعون في الأرض فسادا) مفسدين أو لان سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة ويفسدون في الأرض فانتصب فسادا على المعنى، ويجوز أن يكون مفعولا له: أي للفساد، نزلت في قوم هلال بن عويمر، وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، وقد مر بهم قوم يريدون رسول الله فقطعوا عليهم. وقيل في العرنيين فأوحى إليه أن من جمع بين القتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن أفرد القتل قتل ومن أفرد أخذ المال قطعت يده لاخذ المال ورجله لاخافة السبيل ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض، وقيل هذا حكم كل قاطع طريق كافرا كان أو مسلما، ومعناه (أن يقتلوا) من غير صلب إن أفردوا القتل (أو يصلبوا) مع القتل إن جمعوا بين القتل والاخذ. قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يصلب حيا ويطعن حتى يموت (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) إن أخذوا المال (أو ينفوا من الأرض) إذا لم يزيدوا على الإخافة، وعن جماعة منهم الحسن والنخعي أن الاما مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفصيل، والنفي الحبس عند أبي حنيفة، وعند الشافعي النفي من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهو هارب فزعا، وقيل ينفى من بلده وكانوا ينفونهم إلى دهلك وهو بلد في أقصى تهامة وناصع وهو بلد من بلاد
(٦٠٩)
مفاتيح البحث: القتل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 614 ... » »»