____________________
تحرج عن قتل أخيه واستسلم له خوفا من الله لان الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت، قاله مجاهد وغيره (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك وإثم قتلك لي. فإن قلت: كيف يحمل إثم قتله له - ولا تزر وازرة وزر أخرى -؟ قلت: المراد بمثل إثمي على الاتساع في الكلام كما تقول قرأت قراءة فلان وكتبت كتابته يريد المثل، وهو اتساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره، ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام (المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم) على أن البادي عليه إثم سبه ومثل إثم سب صاحبه لأنه كان سببا فيه، إلا أن الاثم محطوط عن صاحبه معفو عنه لأنه مكافئ مدافع عن عرضه. ألا ترى إلى قوله (ما لم يعتد المظلوم) لأنه إذا خرج من حد المكافأة واعتدى لم يسلم. فإن قلت: فحين كف هابيل عن قتل أخيه واستسلم وتحرج عما كان محظورا في شريعته من الدفع فأين الاثم حتى يتحمل أخوه مثله فيجتمع عليه الأثمان؟ قلت: هو مقدر، فهو يتحمل مثل الاثم المقدر كأنه قال: إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك، وقيل بإثمي بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك. فإن قلت: فكيف جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذيبه بالنار؟ قلت: كان ظالما وجزاء الظالم حسن جائز أن يراد: ألا ترى إلى قوله تعالى - وذلك جزاء الظالمين - وإذا جاز أن يريده الله جاز أن يريده العبد، لأنه لا يريد إلا ما هو حسن، والمراد بالاثم وبال القتل وما يجره من استحقاق العقاب. فإن قلت: لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله: لئن بسطت ما أنا بباسط؟ قلت: ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف