الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٠٠
لأكفرن عنكم سيئاتكم ولاخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل. فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين. ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به
____________________
الفساد. وقرئ بالتخفيف، يقال عزرت الرجل إذا حطته وكنفته، والتعزير والتأزير من واد واحد ومنه لأنصرنك نصرا مؤزرا أي قويا. وقيل معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم بالايمان والتوحيد وبعثنا منهم اثنى عشر ملكا يقيمون فيهم العدل ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. واللام في لئن أقمتم موطئة للقسم وفي (لأكفرن) جواب له، وهذا الجواب ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا (بعد ذلك) بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم. فإن قلت: من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضل سواء السبيل. قلت: أجل ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم، لان الكفر انما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذا زادت النعمة زاد قبح الكفر وتمادى (لعناهم) طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا وقيل مسخناهم، وقيل ضربنا عليهم الجزية (وجعلنا قلوبهم قاسية) خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست. وقرأ عبد الله قسية:
أي ردية مغشوشة من قولهم درهم قسى وهو من القسوة لان الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة، والقاسي والقاسح بالحاء أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة. وقرئ قسية بكسر القاف للاتباع (يحرفون الكلم) بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير وحيه (ونسوا حظا) وتركوا نصيبا جزيلا وقسطا وافيا (مما ذكروا به) من التوراة: يعني أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم أو قست قلوبهم وفسدت فحرفوا التوراة وزلت أشياء منها عن حفظهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية. وقيل تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته (ولا تزال تطلع) أي هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وأن يسموك (على خائنة) على خيانة أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائنة، ويقال رجل خائنة كقولهم رجل راوية للشعر للمبالغة، قال:
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن * للغدر خائنة مغل الإصبع وقرئ على خيانة (منهم إلا قليلا منهم) وهم الذين آمنوا منهم (فاعف عنهم) بعث على مخالفتهم وقيل هو منسوخ بآية السيف، وقيل فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم (أخذنا ميثاقهم) أخذنا من النصارى ميثاق
(٦٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 605 ... » »»