الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٩٣
وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلك فسق، اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا،
____________________
وقرأ ابن عباس وأكيل السبع (وما ذبح على النصب) كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها يعظمونها بذلك ويتقربون به إليها تسمى الأنصاب والنص واحد. قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تعبدنه لعاقبة والله ربك فاعبدا وقيل هو جمع والواحد نصاب، وقرئ النصب بسكون الصاد (أن تستقسموا بالأزلام) وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام: أي بالقداح كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو أمرا من معاظم الأمور ضرب بالقداح وهي مكتوب على بعضها نهاني ربي وعلى بعضها أمرني ربي وبعضها غفل، فإن خرج الآمر مضى لطيته، وإن خرج الناهي أمسك، وإن خرج الغفل أجالها عودا فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما يقسم له بالأزلام، وقيل هو الميسر وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة (ذلكم فسق) الإشارة إلى الاستقسام أو إلى تناول ما حرم عليهم لان المعنى: حرم عليكم تناول الميتة وكذا وكذا. فإن قلت: لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام لتعرف الحال فسقا. قلت: لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب وقال - لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله - واعتقاد أن إليه طريقا والى استنباطه، وقوله أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله وما يدريه أنه أمره أو نهاه، والكهنة والمنجمون بهذه المثابة، وإن كان أراد بالرب الصنم فقد روي أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم فأمره ظاهر (اليوم) لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية كقولك: كنت بالأمس شابا وأنت اليوم أشيب، فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم يومك ونحوه الآن في قوله:
الآن لما أبيض مسربتي وغضضت من نابي على جذم وقيل أريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع (يئس الذين كفروا من دينكم) يئسوا منه أن يبطلوه وأن ترجعوا محللين لهذه الخبائث بعد ما حرمت عليكم. وقل يئسوا من دينكم أن يغلبوه لان الله عز وجل وفى بوعده من إظهاره على الدين كله (فلا تخشوهم) بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين مقهورين بعد ما كانوا غالبين (واخشون) وأخلصوا لي الخشية (أكملت لكم دينكم) كفيتكم أمر عدوكم، وجعلت اليد العليا لكم كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد، إذا كفوا من ينازعهم الملك ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على الشرائع وقوانين القياس وأصول الاجتهاد (وأتممت عليكم نعمتي) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم وأن لم يحج معكم مشرك ولم يطف بالبيت عريان وأتممت نعمتي عليكم بإكمال أمر الدين والشرائع كأنه قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي بذلك لأنه لا نعمة أتم من نعمة الاسلام (ورضيت لكم الاسلام دينا) يعني اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضي
(٥٩٣)
مفاتيح البحث: آية الإكمال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 588 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 ... » »»