الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٩٩
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا
____________________
قال: قدم لهم وعدا فقيل أي شئ وعده لهم؟ فقيل لهم مغفرة وأجر عظيم. أو يكون على إرادة القول بمعنى وعدهم وقال لهم مغفرة، أو على إجراء وعد مجرى قال لأنه ضرب من القول، أو يجعل وعد واقعا على الجملة التي هي لهم مغفرة كما وقع تركنا على قوله - سلام على نوح - كأنه قيل: وعدهم هذا القول، وإذا وعدهم من لا يخلف الميعاد هذا القول فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والاجر العظيم، وهذا القول يتلقون به عند الموت ويوم القيامة فيسرون به ويستروحون إليه ويهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى الثواب. روي أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا وذلك بعسفان في غزوة ذي أنمار، فلما صلوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا: إن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم: يعنون صلاة العصر، وهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها، فنزل جبريل بصلاة الخوف. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة ومعه الشيخان وعلي رضي الله عنهم يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين فقالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك، فاجلسوه في صفة وهموا بالفتك به، وعمد عمرو بن جحاش إلى رحا عظيمة يطرحها عليه، فأمسك الله يده ونزل جبريل فأخبره فخرج. وقيل نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون بها، فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي فسل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني قال الله، قالها ثلاثا، فشأم الأعرابي السيف، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأخبرهم وأبى أن يعاقب. يقال بسط إليه لسانه: إذا شتمه، وبسط إليه يده: إذا بطش به - ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء - ومعنى بسط اليد مدها إلى المبطوش به. ألا ترى إلى قولهم فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى (فكف أيديهم عنكم) فمنعها أن تمد إليكم. لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحاء أرض الشام، وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم: إني كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم وأمر موسى عليه السلام بأن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظيمة وقوة وشوكة، فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق إلا كالب بنيوفنا من سبط يهوذا ويوشع بن نون من سبط أفراييم بن يوسف وكانا من النقباء. والنقيب الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها كما قيل له عريف لأنه يتعرفها (إني معكم) أي ناصركم ومعينكم (عزرتموهم) نصرتموهم ومنعتموهم من أيدي العدو، ومنه التعزير وهو التنكيل والمنع من معاودة
(٥٩٩)
مفاتيح البحث: الزكاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 ... » »»