الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٩٨
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور. يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم.
____________________
جعلوا يغسلونها غسلا ويدلكونها دلكا. وعن ابن عمر (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال: ويل للأعقاب من النار) وفي رواية جابر (ويل للعراقيب) وعن عمر أنه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه، فأمره أن يعيد الوضوء وذلك للتغليظ عليه. وعن عائشة رضي الله عنها: لان تقطعا أحب إلي من أن أمسح على القدمين بغير خفين. وعن عطاء والله ما علمت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين. وقد ذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فأوجب المسح. وعن الحسن أنه جمع بين الامرين. وعن الشعبي نزل القرآن بالمسح والغسل سنة. وقرأ الحسن وأرجلكم بالرفع بمعنى: وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين. وقرئ فاطهروا: أي فطهروا بدنكم وكذلك ليطهركم. وفي قراءة عبد الله فأموا صعيدا (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) في باب الطهارة حتى لا يرخص لكمن في التيمم (ولكن يريد ليطهركم) بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء (وليتم نعمته عليكم) وليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه (لعلكم تشكرون) نعمته فيثيبكم (واذكروا نعمة الله عليكم) وهي نعمة الاسلام (وميثاقه الذي واثقكم به) أي عاقدكم به عقدا وثيقا وهو الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره فقبلوا وقالوا (سمعنا وأطعنا) وقيل هو الميثاق ليلة العقبة وفي بيعة الرضوان.
عدى يجرمنكم بحرف الاستعلاء مضمنا معنى فعل يتعدى به كأنه قيل ولا يحملنكم ويجوز أن يكون قوله أن تعتدوا بمعنى على أن تعتدوا فحذف مع أن، ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام (من أتبع على ملئ فليتبع) لأنه بمعنى أحيل وقرئ شنآن بالسكون ونظيره في المصادر ليان. والمعنى: لا يحملنكم بغضكم للمشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثلة أو قذف أو قتل أولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك (اعدلوا هو أقرب للتقوى) نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرح لهم بالامر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الامر بالعدل وهو قوله - هو أقرب للتقوى - أي العدل أقرب إلى التقوى وأدخل في مناسبتها، أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفا فيها، وفيه تنبيه عظيم على أن وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه (لهم مغفرة وأجر عظيم) بيان للوعد بعد تمام الكلام قبله كأنه
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 ... » »»