الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٩٦
مصحنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين. يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
____________________
لا أعلم شركا أعظم من قولها إن ربها عيسى. وعن عطاء قد أكثر الله المسلمات وإنما رخص لهم يومئذ (محصنين) أعفاء (ولا متخذي أخدان) صدائق، والخدن يقع على الذكر والأنثى (ومن يكفر بالايمان) بشرائع الاسلام وما أحل الله وحرم (إذا قمتم إلى الصلاة) كقوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله، وكقولك إذا ضربت غلامك فهون عليه في أن المراد إرادة الفعل. فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت: لان الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه، فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الانسان لا يطير والأعمى لا يبصر: أي لا يقدران على الطيران والابصار، ومنه قوله تعالى - نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين - يعني إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لان الفعل مسبب عن القدرة والإرادة، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولايجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم كما تدين تدان، إن عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه.
وقيل معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها، لان من توجه إلى شئ وقام إليه كان قاصدا له لا محالة، فعبر عن القصد له بالقيام إليه. فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث فما وجهه؟
قلت: يحتمل أن يكون الامر للوجوب فيكون الخطاب للمحدثين خاصة وأن يكون للندب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات) وعنه عليه الصلاة والسلام (أنه كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان بيوم الفتح مسح على خفيه فصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال عمر: صنعت شيئا لم تكن تصنعه، فقال:
عمدا فعلته يا عمر) يعني بيانا للجواز. فإن قلت: هل يجوز أن يكون الامر شاملا للمحدثين وغيرهم، لهؤلاء على وجه الايجاب ولهؤلاء على وجه الندب؟ قلت: لا لان تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية.
وقيل كان الوضوء لكل صلاة واجبا أول ما فرض ثم نسخ. إلى تفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فمما فيه دليل على الخروج قوله - فنظرة إلى ميسرة - لان الاعسار علة الانظار
(٥٩٦)
مفاتيح البحث: الخسران (1)، الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 ... » »»