الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٨٥
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا. لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون
____________________
من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحي، وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته خالصة. ومعنى (ألقاها إلى مريم) أوصلها إليها وحصلها فيها (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف، فإن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون بأقنوم الأب الذات وبأقنوم الابن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة، فتقديره الله ثلاثة وإلا فتقديره الألهة ثلاثة، والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله - أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله - وقالت النصارى المسيح ابن الله، والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والام، ويدل عليه قوله - إنما المسيح عيسى ابن مريم - فأثبت أنه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بأمهاتها، وأن اتصاله بالله تعالى من حيث إنه رسوله وأنه موجود بأمره وابتداعه جسدا حيا من غير أب، فنفى أن يتصل به اتصال الأبناء بالآباء، وقوله سبحانه - أن يكون له ولد - وحكاية الله أوثق من حكاية غيره. ومعنى (سبحانه أن يكون له ولد) سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد، وقرأ الحسن أن يكون بكسر الهمزة ورفع النون: أي سبحانه ما يكون له ولد، على أن الكلام جملتان (له ما في السماوات وما في الأرض) بيان لتنزهه عما نسب إليه: يعني أن كل ما فيهما خلقه وملكه فيكف يكون بعض ملكه جزءا منه، على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والاعراض - وكفى بالله وكيلا - يكل إليه الخلق كلهم أمورهم فهو الغني عنهم وهم الفقراء إليه (لن يستنكف المسيح) لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة، من نكفت الدمع إذا نحيته عن خدك بإصبعك (ولا الملائكة المقربون) ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا وهم
(٥٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 580 581 582 583 584 585 588 589 590 591 592 ... » »»