الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٤٨
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا. فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك،
____________________
إذاعتهم مفسدة - ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر - وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه. وقيل كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه، فيعود ذلك وبالا على المؤمنين، ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع - لعلمه الذين يستنبطونه منهم - لعلم صحته وهل هو مما يذاع أو لا يذاع، هؤلاء المذيعون وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر: أي يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم، يقال أذاع السر وأذاع به، قال:
أذاع به في الناس حتى كأنه بعلياء نارا أوقدت بثقوب ويجوز أن يكون المعنى: فعلوا به الإذاعة وهو أبلغ من أذاعوه. وقرئ لعلمه بإسكان اللام كقوله:
فان أهجه يضجر كما ضجر بازل من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه والنبط: الماء يخرج من البئر أول ما تحفر، وإنباطه واستنباطه: إخراجه واستخراجه، فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) وهو إرسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق (لاتبعتم الشيطان) لبقيتم على الكفر (إلا قليلا) منكم أو إلا اتباعا قليلا. لما ذكر في الآي قبلها تثبطهم عن القتال وإظهارهم الطاعة وإضمارهم خلافها قال (فقاتل في سبيل الله) إن أفردوك وتركوك وحدك (لا تكلف إلا نفسك) غير نفسك وحدها إن تقدمها إلى الجهاد فإن الله هو ناصرك لا الجنود، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف. وقيل دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها، فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت، فخرج وما معه إلا سبعون
(٥٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 ... » »»