الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٥٢
ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وأولئكم جعلنا عليهم سلطانا مبينا. وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ
____________________
فإن قلت: كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء واستحقاق إزالة التعرض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمافين، لان الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة قوم ويكون قوله (فإن اعتزلوكم) تقريرا لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سننهم؟ قلت: هو جائز ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام. وفي قراءة أبي: بينكم وبينهم ميثاق جاءوكم حصرت صدروهم بغير أو، ووجهه أن يكون جاءوكم بيانا ليصلون أو بدلا أو استئنافا أو صفة بعد صفة لقوم. حصرت صدورهم في موضع الحال بإضمار قد والدليل عليه قراءة من قرأ حصرة صدورهم وحصرات صدورهم وحاصرات صدورهم، وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف على أو جاء وقوكم ما حصرت صدورهم. وقيل هو بيان لجاءوكم وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقاتلين، والحصر الضيق والانقباض (أن يقاتلوكم) عن أن يقاتلوكم أو كرامة أن يقاتلوكم. فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت: ما كانت مكافتهم إلا لقذف الله الرعب في قلوبهم، ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين، فذلك معنى التسليط. وقرئ فلقتلوكم بالتخفيف والتشديد (فإن اعتزلوكم) فإن لم يتعرضوا لكم (وألقوا إليكم السلم) أي الانقياد والاستسلام، وقرئ بسكون اللام مع فتح السين (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم (ستجدون آخرين) هم قوم من بني أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكسوا عهودهم (كلما ردوا إلى الفتنة) كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين (أركسوا فيها) قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه وكانوا شرا فيها من كل عدو (حيث ثقفتموهم) حيث تمكنتم منهم (سلطانا مبينا) حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر وإصرارهم بأهل الاسلام، أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم (وما كان لمؤمن) وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله كقوله - وما كان لنبي أن يغل - وما يكون لنا أن نعود فيها - (أن يقتل مؤمنا) ابتداء غير قصاص (إلا خطأ) إلا على وجه الخطأ. فإن قلت: بم انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له: أي ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده. ويجوز أن يكون حالا بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، وأن يكون صفة للمصدر إلا قتلا خطأ. والمعنى: أن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمي كافرا فيصيب مسلما أو يرمي شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم:
وقرئ خطأ بالمد وخطا بوزن عمى بتخفيف الهمزة. وروي أن عياش بن أبي ربيعة وكان أخا أبي جهل لامه، أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة وذلك قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع، فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وهو في أطم
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»