الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٤٦
فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وأرسلناك للناس رسولا، وكفى بالله شهيدا. من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا.
ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول، والله يكتب ما يبيتون، فأعرض عنهم وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلا. أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
____________________
(فمن الله) تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا (وما أصابك من سيئة) أي من بلية ومصيبة (فمن نفسك) لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك - وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير - وعن عائشة رضي الله عنها (ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر) (وأرسلناك للناس رسولا) أي رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم أنت رسول العرب والعجم كقوله - وما أرسلناك إلا كافة للناس - قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا - (وكفى بالله شهيدا) على ذلك فما ينبغي لاحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك (من يطع الرسول فقد أطاع الله) لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه، فكانت طاعته في امتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه طاعة الله. وروي أنه قال (من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل، لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد غير الله، ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت) (ومن تولى) عن الطاعة فأعرض عنه (فما أرسلناك) إلا نذيرا لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم كقوله - وما أنت عليهم بوكيل - (ويقولون) إذا أمرتهم بشئ (طاعة) بالرفع:
أي أمرنا وشأننا طاعة ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة، وهذا من قول المرتسم سمعا وطاعة ونحوه قول سيبويه:
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له كيف أصبحت؟ فيقول حمد الله وثناء عليه كأنه قال: أمري وشأني حمد الله، ولو نصب حمد الله وثناء عليه كان على الفعل، والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها (بيت طائفة) زورت طائفة وسوت (غير الذي تقول) خلاف ما قلت وما أمرت به، أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة لانهم أبطلوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون، والتبييت إما من البيتوتة لأنه قضاء الامر وتدبيره بالليل، يقال هذا أمر بيت بليل، وإما من أبيات الشعر لان الشاعر يديرها ويسويها (والله يكتب ما يبيتون) يثبته في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه على سبيل الوعيد أو يكتبه في جملة ما يوحى إليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطانهم يغني عنهم (فأعرض عنهم) ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم (وتوكل على الله) في شأنهم فإن الله يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم إذا قوي أمر الاسلام وعز أنصاره. وقرئ بيت طائفة بالادغام وتذكير الفعل، لان تأنيث الطائفة غير حقيقي ولأنها في معنى الفريق والفوج. تدبر الامر تأمله والنظر في أدباره وما يئول إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل، فمعنى تدبر القرآن تأمل معانيه وتبصر ما فيه (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه، فكان بعضه بالغا حد الاعجاز
(٥٤٦)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 ... » »»