الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٤٣
والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا. ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية،
____________________
واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين لان سبيل الله عام في كل خير وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه، والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر. ولما خرج استعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا. قال ابن عباس: كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة.
فإن قلت: لم ذكر الولدان. قلت: تسجيلا بإفراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ارغاما لآبائهم وأمهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم، ولان المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة بإخراجهم في الاستقساء. وعن ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان. ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر، وبالولدان العبيد والإماء لان العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة. وقيل للولدان والولائد الولدان لتغليب الذكور على الإناث كما يقال الآباء والاخوة، فإن قلت: لم ذكر الظالم وموصوفه مؤنت؟ قلت: هو وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطى إعراب القرية لأنه صفتها وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التي ظلم أهلها؟ ولو أنث فقيل الظالمة أهلها لجاز لا لتأنيث الموصوف ولكن لان الأهل يذكر ويؤنث. فإن قلت: هل يجوز من هذه القرية الظالمين أهلها؟ قلت: نعم كما تقول التي ظلموا أهلها على لغة من يقول أكلوني البراغيث، ومنه - وأسروا النجوى الذين ظلموا - رغب الله المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا بإخبارهم أنهم إنما يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم إلا الشيطان، وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد الله للكافرين أضعف شئ وأوهنه (كفوا أيديكم) أي كفوها عن القتال، وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه (فلما كتب عليهم القتال) بالمدينة مع فريق منهم لا شكا في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفورا عن الاخطار بالأرواح وخوفا من الموت (كخشية الله) من إضافة المصدر إلى المفعول. فإن قلت: ما محل كخشية الله من الاعراب؟ قلت: محلة النصب على الحال من الضمير في يخشون: أي يخشون الناس مثل أهل خشية الله: أي مشبهين لأهل خشية الله (أو أشد خشية) بمعنى أو أشد خشية من أهل خشية الله وأشد معطوف على الحال. فإن قلت: لم عدلت عن الظاهر وهو
(٥٤٣)
مفاتيح البحث: القتل (1)، الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»