الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٣٧
أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا. وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله
____________________
لا ينفعهم الندم ولا يغني عنهم الاعتذار عند حلول بأس الله. وقيل جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره الله فقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به (فأعرض عنهم) لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) بالغ في وعظهم بالتخفيف والانذار. فإن قلت: بم تعلق قوله في أنفسهم؟ قلت: بقوله بليغا: أي قل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتنمون به اغتماما ويستشعرون منه الخوف استشعارا، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المكافة إلا لاظهاركم الايمان وإسراركم الكفر وإطماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف، أو يتعلق بقوله قل لهم: أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا، وأن الله يعلم ما في قلوبكم لا يخفى عليه فلا يغني عنكم إبطانه، فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق وإلا أنزل الله بكم ما نزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه وشرا من ذلك وأغلظ، أو قل لهم في أنفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم مسارا لهم بالنصيحة لانهم في السر أنجع وفي الامحاض أدخل قولا بليغا يبلغ منهم ويؤثر فيهم (وما أرسلنا من رسول) وما أرسلنا رسولا قط (إلا ليطاع بإذن الله) بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه لأنه مؤد عن الله، فطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله. ومن يطع الرسول فقد أطاع الله،
(٥٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 ... » »»