الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٥٠
إن الله كان على كل شئ حسيبا. الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، ومن أصدق من الله حديثا. فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا،
____________________
الحمار والصغير على الكبير والأقل على الأكثر وإذا التقيا ابتدرا. وعن أبي حنيفة لا تجهر بالرد يعني الجهر الكثير، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) أي وعليكم ما قلتم لانهم كانوا يقولون السام عليكم. وروي (لا تبتدئ اليهودي بالسلام، وإن بدأك فقل وعليك) وعن الحسن يجوز أن تقول للكافر وعليك السلام، ولا تقل ورحمة الله فإنها استغفار، وعن الشعبي أنه قال لنصراني سلم عليه: وعليك السلام ورحمة الله، فقيل له في ذلك، فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ وقد رخص بعض العلماء في أن يبدأ أهل الذمة بالسلام إذا دعت إلى ذلك حادثة تحوج إليهم، وروي ذلك عن النخعي. وعن أبي حنيفة لا تبدأه بسلام في كتاب ولا غيره. وعن أبي يوسف لا تسلم عليهم ولا تصافحهم، وإذا دخلت فقل السلام على من اتبع الهدى، ولا بأس بالدعاء له بما يصلحه في دنياه (على كل شئ حسيبا) أي يحاسبكم على كل شئ من التحية وغيرها (لا إله إلا هو) إما خبر لمبتدأ وإما اعتراض، والخبر (ليجمعنكم) ومعناه الله والله ليجمعنكم (إلى يوم القيامة) أي ليحشرنكم إليه، والقيامة والقيام كالطلابة والطلاب وهي قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب، قال الله تعالى - يوم يقوم الناس لرب العالمين - (ومن أصدق من الله حديثا) لأنه عز وعلا صادق لا يجوز عليه الكذب، وذلك أن الكذب مستق بصارف عن الاقدام عليه وهو قبحه، ووجه قبحه الذي هو كونه كذبا وإخبارا عن الشئ بخلاف ما هو عليه، فمن كذب لم يكذب إلا لأنه محتاج إلى أن يكذب ليجر منفعة أو يدفع مضرة أو هو غنى عنه إلا أنه يجهل غناه، أو هو جاهل بقبحه أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في أخباره ولا يبالي بأيهما نطق، وربما كان الكذب أحلى على حنكه من الصدق. وعن بعض السفهاء أنه عوتب على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما ما فارقته، وقيل الكذاب: هل صدقت قط؟ فقال: لولا أني صادق في قولي لا لقلتها. فكان الحكيم الغني الذي لا يجوز عليه الحاجات العالم بكل معلوم منزها عنه كما هو منزه عن سائر القبائح (فئتين) نصب على الحال كقولك مالك قائما. روي (أن قوما من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فاختلف المسلمون فيهم، فقال بعضهم هم كفار، وقال بعضهم هم مسلمون) وقيل كانوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا، وقيل هم قوم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم رجعوا. وقيل هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا، وقيل هم قوم أظهروا الاسلام وقعدوا عن الهجرة. ومعناه: مالكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين؟ ومالكم لم تبتوا القول بكفرهم (والله أركسهم) أي ردهم في حكم المشركين كما كانوا (بما كسبوا) من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين واحتيالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أركسهم في الكفر بأن
(٥٥٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، النفاق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»