الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٤١
ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما. يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا. وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا. ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. فليقاتل في سبيل الله الذين
____________________
لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا فنزلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين) وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة (ذلك) مبتدأ و (الفضل) صفته و (من الله) الخبر، ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ والفضل من الله خبره، والمعنى: أن ما أعطى المطيعون من الاجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم تبعا لثوابهم (وكفى بالله عليما) بجزاء من أطاعه، أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومزيتهم من الله لانهم اكتسبوه بتمكينه وتوفيقه، وكفى بالله عليما بعباده فهو يوفقهم على حسب أحوالهم (خذوا حذركم) الحذر والحذر بمعنى كالأثر والأثر يقال أخذ حذره: إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه، والمعنى: احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم (فانفروا) إذا نفرتم إلى العدو، إما (ثبات) جماعات متفرقة سرية بعد سرية، وإما (جميعا) إي مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة. وقرئ فانفروا بضم الفاء، واللام في (لمن) للابتداء بمنزلتها في قوله إن الله لغفور، وفي (ليبطئن) جواب قسم محذوف تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن، والقسم وجوابه صلة من، والضمير الراجع منها إليه ما استكن في ليبطئن والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمبطئون منهم المنافقون لانهم كانوا يغزون معهم نفاقا. ومعنى ليبطئن ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد، وبطأ بمعنى أبطأ كغتم بمعنى أغتم إذا أبطأ، وقرئ ليبطئن بالتخفيف، يقال بطأ علي فلان وأبطأ علي وبطؤ نحو ثقل، ويقال ما بطأ بك فيعدى بالباء، ويجوز أن يكون منقولا من بطؤ نحو ثقل من ثقل فيراد ليبطئن غيره وليثبطنه عن الغزو، وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أبي وهو الذي ثبط الناس يوم أحد (فإن أصابتكم مصيبة) من قتل أو هزيمة (فضل من الله) من فتح أو غنيمة (ليقولن) وقرأ الحسن ليقولن بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى من لان قوله لمن ليبطئن في معنى الجماعة، وقوله (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) اعتراض بين الفعل الذي هو ليقولن وبين مفعوله وهو (يا ليتني) والمعنى: كأن لم تتقدم له معكم موادة، لان المنافقين كانوا يوادون المؤمنين
(٥٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 ... » »»