الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٣٥
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
____________________
صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال ليل أليل ويوم أيوم وما أشبه ذلك، وهو ما كان فينانا لأجوب فيه ودائما لا تنسخه الشمس وسجسجا لا حر فيه ولا برد وليس ذلك إلا ظل الجنة، رزقنا الله بتوفيقه لما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل. وفي قراءة عبد الله سيدخلهم بالياء (أن تؤدوا الأمانات) الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة، وقيل نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار وكان سادن الكعبة وذلك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه، فلوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يده وأخذه منه وفتح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت، فأمر أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه، فقال عثمان لعلي: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق، فقال: لقد أنزل الله في شأنك قرآنا وقرأ عليه الآية، فقال عثمان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فهبط جبريل وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدا) وقيل هو خطاب للولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل. وقرئ الأمانة على التوحيد (نعما يعظكم به) (ما) إما أن تكون منصوبة موصوفة بيعظكم به، وإما أن تكون مرفوعة موصولة به كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به، أو نعم الشئ الذي يعظكم به، والمخصوص بالمدح محذوف: أي نعما يعظكم به ذاك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم. وقرئ نعما بفتح النون.
لما أمر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل أمر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم، والمراد بأولى الامر منكم أمراء الحق، لان أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والامراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والامر بهما والنهي عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وعن أبي حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال: ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله - وأولي الأمر منكم - قال: أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله - فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول - وقيل هم أمراء السرايا. وعن النبي صلى الله عيله وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني) وقيل هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر (فإن تنازعتم في شئ) فإن اختلفتم أنتم وأولوا الامر منكم في شئ من أمور الدين. فردوه إلى الله ورسوله: أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة، وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الامر بطاعة أولي الامر بما لايبقى معه شك، وهو أن أمرهم أولا بأداء الأمانات وبالعدل
(٥٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 ... » »»