الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٢٢
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا. إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما. ولا تتمنوا
____________________
والغصب والقمار وعقود الربا (إلا أن تكون تجارة) إلا أن تقع تجارة. وقرئ تجارة على إلا أن تكون التجارة تجارة (عن تراض منكم) والاستثناء منقطع، معناه: ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض منكم، أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه. وقوله عن تراض صفة لتجارة: أي تجارة صادرة عن تراض، وخص التجارة بالذكر لان أسباب الرزق أكثرها متعلق بها - والتراضي رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه في حال البيع وقت الايجاب والقبول، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وعند الشافعي رحمه الله تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين (ولا تقتلوا أنفسكم) من كان من جنسكم من المؤمنين. وعن الحسن لا تقتلوا إخوانكم، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعل بعض الجهلة. وعن عمرو بن العاص أنه تأوله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ علي رضي الله عنه ولا تقتلوا بالتشديد (إن الله كان بكم رحيما) ما نهاكم عما يضركم إلا لرحمته عليكم، وقيل معناه: أنه أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم، وكان بكم يا أمة محمد رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة (ذلك) إشارة إلى القتل: أي ومن يقدم على قتل الأنفس (عدوانا وظلما) لا خطأ ولا اقتصاصا: وقرئ عدوانا بالكسر. ونصليه بتخفيف اللام وتشديدها ونصليه بفتح النون من صلاه يصليه ومنه شاة مصلية بالياء والضمير لله تعالى أو لذلك لكونه سببا للصلي (نارا) أي نارا مخصوصة شديدة العذاب (وكان ذلك على الله يسيرا) لان الحكمة تدعو إليه ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه (كبائر ما تنهون عنه) وقرئ كبير ما تنهون عنه: أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم الله عنها والرسول (نكفر عنكم سيئاتكم) نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم ونجعلها كأن لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات، والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما، والتكفير: إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة، والاحباط نقيضه وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة. وعن علي رضي الله عنه (الكبائر سبع: الشرك، والقتل، والقذف، والزنا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة) وزاد:
ابن عمر (السحر، واستحلال البيت الحرام) وعن ابن عباس أن رجلا قال له: الكبائر سبع، فقال هي إلى سبعمائة أقرب، لأنه لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. وروي إلى سبعين. وقرئ يكفر بالياء. ومدخلا بضم الميم وفتحها بمعنى المكان والمصدر فيهما (ولا تتمنوا) نهوا عن التحاسد وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال، لان ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما يصلح المقسوم له من بسط في الرزق أو قبض - ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض - فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علما بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له، ولا يحسد
(٥٢٢)
مفاتيح البحث: التجارة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»