الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٢٦
إن الله كان عليما خبيرا. واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا.
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله
____________________
وأبدلهما بالشقاق وفاقا، وبالبغضاء مودة (إن الله كان عليما خبيرا) يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين - لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم - (وبالوالدين إحسانا) وأحسنوا بهما إحسانا (وبذي القربى) وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما (والجار ذي القربى) الذي قرب جواره (والجار الجنب) الذي جواره بعيد، وقيل الجار القريب النسيب، والجار الجنب الأجنبي، وأنشد لبلعاء بن قيس:
لا يجتوينا مجاور أبدا ذو رحم أو مجاور جنب وقرئ والجار ذا القربى نصبا على الاختصاص كما قرئ - حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى - تنبيها على عطم حقه لادلائه بحق الجوار والقربى (والصاحب بالجنب) هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك، إما رفيقا في سفر، وإما جارا ملاصقا، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه، فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الاحسان. وقيل الصاحب بالجنب المرأة (وابن السبيل) المسافر المنقطع به، وقيل الضيف. والمختال: التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه فلا يتحفى بهم ولا يلتفت إليهم. وقرئ والجار الجنب بفتح الجيم وسكون النون (الذين يبخلون) بدل من قوله - من كان مختالا فخورا - أو نصب على الذم، ويجوز أن يكون رفعا عليه وأن يكون مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل: الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقاء بكل ملامة. وقرئ بالبخل بضم الباء وفتحها وبفتحتين وبضمتين: أي يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد. وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره، قال:
وإن امرأ ضنت يداه على امرئ بنيل يد من غيره لبخيل ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد شخص به وحل حبوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزانته ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده. وقيل هم اليهود كانوا يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم ويقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون، وقد عابهم الله بكتمان نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنى والتفاقر إلى الناس. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته على عبده) وبنى عامل للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به عنده، فقال الرجل:
يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه. وقيل نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (رثاء الناس) للفخار، وليقال ما أسخاهم وما
(٥٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 ... » »»