الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥١١
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا. واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما.
____________________
مالم يسم فاعله؟ قلت: يضمر يوصى فينتصب عن فاعله، لأنه لما قيل يوصى بها علم أن ثم موصيا كما قال - يسبح له فيها بالغدو والآصال - على مالم يسم فاعله، فعلم أن ثم مسبحا فأضمر يسبح، فكما كان رجال فاعل ما يدل عليه يسبح كان غير مضار حالا عما يدل عليه يوصى بها (تلك) إشارة إلى الاحكام التي ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث، وسماها حدودا لان الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها إلى ما ليس لهم بحق (يدخله) قرئ بالياء والنون وكذلك - يدخله نارا - وقيل يدخله، وخالدين حملا على لفظ من ومعناه. وانتصب خالدين وخالدا على الحال. فإن قلت: هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات ونارا. قلت: لا، لأنهما جريا على غير من هما له فلابد من الضمير وهو قولك خالدين هم فيها وخالدا هو فيها (يأتين الفاحشة) يرهقنها، يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها بمعنى، وفي قراءة ابن مسعود يأتين بالفاحشة والفاحشة الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح (فأمسكوهن في البيوت) قيل معناه فخلدوهن محبوسات في بيوتكم، وكان ذلك عقوبتهن في أول الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى - الزانية والزاني - الآية، ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة، ويوصى بإمساكهن في البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال (أو يجعل الله لهن سبيلا) هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح، وقيل السبيل هو الحد لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت. فإن قلت: ما معنى يتوفاهن الموت والتوفي والموت بمعنى واحد كأنه قيل حتى يميتهن الموت. قلت: يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله - الذين تتوفاهم الملائكة - إن الذين توفاهم الملائكة - قل يتوفاكم ملك الموت - أو حتى يأخذهن الموت ويستوفي أرواحهن (واللذان يأتيانها منكم) يريد الزاني والزانية (فآذوهما) فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما الله (فإن تابا وأصلحا) وغيرا الحال (فأعرضوا عنهما) واقطعوا التوبيخ والمذمة فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، ويحتمل أن يكون خطابا للشهود العاثرين على سرهما، ويراد بالايذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الامام والحد، فإن تابا قبل الرفع إلى الامام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما. وقيل نزلت الأولى في السحاقات وهذه
(٥١١)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»