الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٢٥
فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا. وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما
____________________
تفسير الثقلاء. وقالوا: يجب أن يكون ضربا غير مبرح لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ويجتنب الوجه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (علق سوطك حيث يراه أهلك) وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها. ويروى عن الزبير أبيات منها * ولولا بنوها حولها لخبطتها * (فلا تبغوا عليهن سبيلا) فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ والتجني وتوبوا عليهن واجعلوا ما كان منهم كأن لم يكن بعد رجوعهن إلى الطاعة والانقياد وترك النشوز (إن الله كان عليا كبيرا) فاحذروه واعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم، ويروى (أن أبا مسعود الأنصاري رفع سوطه ليضرب غلاما له، فبصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح به: أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه، فرمى بالسوط وأعتق الغلام) أو إن الله كان عليا كبيرا وإنكم تعصوه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم، فأنتم أحق بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع (شقاق بينهما) أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على طريق الاتساع كقوله - بل مكر الليل والنهار - وأصله بل مكر في الليل والنهار، أو على أن جعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين على قولهم نهارك صائم، والضمير للزوجين ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء (حكما من أهله) رجلا مقنعا رضيا يصلح لحكومة العدل والاصلاح بينهما، وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما لان الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح، وإنما تسكن إليهم نفوس الزوجين ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويانه عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه. فإن قلت: فهل يليان الجمع بينهما والتفريق إن رأيا ذلك؟ قلت: قد اختلف فيه، فقيل: ليس إليهما ذلك إلا بإذن الزوجين، وقيل ذلك إليهما وما جعلا حكمين إلا واليهما بناء الامر على ما يقتضيه اجتهادهما. وعن عبيدة السلماني شهدت عليا رضي الله عنه وقد جاءته امرأة وزوجها ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما فقال علي رضي الله عنه للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما، فقال الزوج. أما الفرقة فلا، فقال علي: كذب، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك، فقالت المرأة:
رضيت بكتاب الله لي وعلي. وعن الحسن يجمعان ولا يفرقان. وعن الشعبي ما قضى الحكمان جاز، والألف في (إن يريدا إصلاحا) للحكمين وفي (يوفق الله بينهما) للزوجين: أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله بورك في وساطتهما وأوقع الله بطيب نفسيهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والألفة وألقى في نفوسهما المودة والرحمة. وقيل الضميران للحكمين: أي إن قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق الله بينهما، فيتفقان على الكلمة الواحدة ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد.
وقيل الضميران للزوجين: أي إن يريدا إصلاح ما بينهما وطلبا الخير وأن يزول عنهما الشقاق يطرح الله بينهما الألفة
(٥٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 ... » »»