الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٢٣
ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما. ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيدا. الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض
____________________
أخاه على حظه (للرجال نصيب مما اكتسبوا) جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسبا له (واسألوا الله من فضله) ولا تتمنوا أنصباء غيركم من الفضل، ولكن سلوا الله من خزائنه التي لا تنفد. وقيل كان الرجال قالوا: إن الله فضلنا على النساء في الدنيا، لنا سهمان ولهن سهم واحد، فنرجو أن يكون لنا أجران في الآخرة على الأعمال ولهن أجر واحد، فقالت أم سلمة ونسوة معها:
ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال فيكون لنا من الاجر مثل ما لهم، فنزلت (مما ترك) تبيين لكل:
أي ولكل شئ مما ترك (الوالدان والأقربون) من المال جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه، أو ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، على أن جعلنا موالي صفة لكل والضمير الراجع إلى كل محذوف والكلام مبتدأ وخبر، كما تقول لكل من خلقة الله إنسانا من رزق الله: أي حظ من رزق الله أو ولكل أحد جعلنا موالي مما ترك: أي وراثا مما ترك على أن من صلة موالي لانهم في معنى الوراث وفي ترك ضمير كل، ثم فسر الموالي بقوله الوالدان والأقربون كأنه قيل من هم؟ فقيل الوالدان والأقربون (والذين عاقدت أيمانكم) مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء، وهو قوله (فآتوهم نصيبهم) ويجوز أن يكون منصوبا على قولك زيدا فاضربه، ويجوز أن يعطف على الوالدان ويكون المضمر في فآتوهم للموالي، والمراد بالذين عاقدت أيمانكم موالي الموالاة. كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوم الفتح فقال (ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، فإنه لم يزده الاسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الاسلام) وعند أبي حنيفة: لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافا للشافعي، وقيل المعاقدة التبني. ومعنى عاقدت أيمانكم: عاقدتهم أيديكم وماسحتموهم. وقرئ عقدت بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم (قوامون على النساء) يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا، سموا قواما لذلك والضمير في (بعضهم) للرجال والنساء جميعا، يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء، وفيه دليل على أن الولاية إنما تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر، وقد ذكروا في فضل الرجال العقل والحزم والعزم والقوة والكتابة في الغالب والفروسية والرمي، وإن منهم الأنبياء والعلماء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والاذان والخطبة والاعتكاف وتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة، والشهادة في الحدود والقصاص وزيادة السهم والتعصيب في الميراث والحمالة والقسامة والولاية في النكاح
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»