الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥١٤
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا.
____________________
الحبس والتضييق، ومنه عضلت المرأة بولدها: إذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقى بعضه (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وهي النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة: أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع، ويدل عليه قراءة أبي إلا أن يفحشن عليكم. وعن الحسن الفاحشة الزنا، فإن فعلت حل لزوجها أن يسألها الخلع، وقيل كانوا إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها.
وعن أبي قلابة ومحمد بن سيرين لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها. وعن قتادة لا يحل له أن يحبسها ضرارا حتى تفتدى منه، يعني وإن زنت، وقيل نسخ ذلك بالحدود وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم (وعاشروهن بالمعروف) وهو النصفة في المبيت والنفقة والاجمال في القول (فإن كرهتموهن) فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير وأحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر في أسباب الصلاح، وكان الرجل إذا طمحت عينه إلى استطراف امرأة بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج غيرها فقيل (وإن أردتم استبدال زوج) الآية. والقنطار: المال العظيم من قنطرت الشئ: إذا رفعته، ومنه القنطرة لأنها بناء مشيد، قال:
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد وعن عمر رضي الله عنه أنه قام خطيبا فقال: أيها الناس لا تغالوا بصدق النساء، فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنى عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا والله يقول - وآتيتم إحداهن قنطارا - فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر، ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء. والبهتان: أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برئ منه لأنه يبهت عند ذلك:
أي يتحير. وانتصب (بهتانا) على الحال أي باهتين وآثمين، أو على أنه مفعول له وإن لم يكن غرضا كقولك:
قعد عن القتال جبنا. والميثاق الغليظ: حق الصحبة والمضاجعة، كأنه قيل: وأخذن به منكم ميثاقا غليظا: أي بإفضاء بعضكم إلى بعض، ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج. وقيل هو قول الولي عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب الله من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان في أيديكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وكانوا ينكحون روابهم وناس منهم يمقتونه من ذوي
(٥١٤)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 ... » »»