الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٠٩
آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما. ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
____________________
غير عوض كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين، ولذلك جئ بكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب ثم أكد ذلك ورغب فيه بقوله (آباؤكم وأبناؤكم) أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبناءكم الذين يموتون أمن أوصى منهم أم من لم يوص: يعني أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابا إلى حقيقة الامر، لان عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريبا في الصورة إلا أنه فان فهو في الحقيقة الابعد الأقصى، وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى. وقيل إن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع، وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه سأل أن يرفع إليه ابنه، فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعا. وقيل قد فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة. وقيل الأب يجب عليه النفقة على الابن إذا احتاج، وكذلك الابن إذا كان محتاجا فهما في النفع بالنفقة لا يدرى أيهما أقرب نفعا وليس شئ من هذه الأقاويل بملاءم للمعنى ولا مجاوب له، لأن هذه الجملة اعتراضية، ومن حق الاعتراضي أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه والقول ما تقدم (فريضة) نصبت نصب المصدر المؤكد: أي فرض ذلك فرضا (إن الله كان عليما) بمصالح خلقه (حكيما) في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها (فإن كان لهن ولد) منكم أو من غيركم جعلت المرأة على النصف من الرجل بحق الزواج كما جعلت كذلك بحق النسب والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن (وإن كان رجل) يعني الميت، و (يورث) من ورث: أي يورث منه وهو صفة لرجل، و (كلالة) خبر كان: أي وإن كان رجل موروث منه كلالة، أو يجعل يورث خبر كان، وكلالة حالا من الضمير في يورث. وقرئ يورث ويورث بالتخفيف والتشديد على
(٥٠٩)
مفاتيح البحث: الوصية (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 ... » »»