الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥١٣
فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما. وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما. يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن
____________________
وإلا فهو تائب من بعيد. فإن قلت: ما فائدة قوله (فأولئك يتوب الله عليهم) بعد قوله - إنما التوبة على الله - لهم؟
قلت: قوله إنما التوبة على الله إعلام بوجوبها عليه كما يجب على العبد بعض الطاعات، وقوله - فأولئك يتوب الله عليهم - عدة بأنه يفي بما وجب عليه وإعلام بأن الغفران كائن لا محالة كما يعد العبد الوفاء بالواجب (ولا الذين يموتون) عطف على - الذين يعملون السيئات - سوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم، لان حضرة الموت أول أحوال الآخرة فكما أن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، فكذلك المسوف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل واحد منهما أو ان التكليف والاختيار (أولئك أعتدنا لهم) في الوعيد نظير قوله - فأولئك يتوب الله عليهم - في الوعد ليتبين أن الامرين كائنان لا محالة. فإن قلت: من المراد بالذين يعملون السيئات أهم الفساق من أهل القبلة أم الكفار؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد الكفار لظاهر قوله:
هم كفار، وأن يراد الفساق لان الكلام إنما وقع في الزانيين والاعراض عنهما إن تابا وأصلحا، ويكون قوله - وهم كفار - واردا على سبيل التغليظ كقوله - ومن كفر فإن الله غني عن العالمين - وقوله - فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا - (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر) لان من كان مصدقا ومات وهو لا يحدث نفسه بالتوبة حاله قريبة من حال الكافر، لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت. كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم فزجروا عن ذلك، كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ أو حميم عن امرأة ألقى ثوبه عليها وقال: أنا أحق بها من كل أحد فقيل (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكروهات. وقيل كان يمسكها حتى تموت، فقيل لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن وهن غير راضيات بإمساككم، وكان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر لتفتدى منه بمالها وتختلع، فقيل - ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن - والعضل:
(٥١٣)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»