الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥١٠
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم.
____________________
البناء للفاعل وكلالة حال أو مفعول به. فإن قلت: ما الكلالة؟ قلت: ينطلق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد، ومنه قولهم:
ما ورث المجد عن كلالة، كما تقول: ما صمت عن عي، وما كف عن جبن. والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء، قال الأعشى * فآليت لا أرثي لها من كلالة * فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لأنها بالإضافة إلى قرابتهما كآلة ضعيفة، وإذ جعل صفة للموروث أو الوارث فبمعنى ذي كلالة كما تقول فلان من قرابتي، تريد من ذوي قرابتي، ويجوز أن تكون صفة كالهجاجة والفقاقة للأحمق.
فإن قلت: فإن جعلتها اسما للقرابة في الآية فعلام تنصبها؟ قلت: على أنها مفعول له: أي يورث لأجل الكلالة أو يورث غيره لأجلها. فإن قلت: فإن جعلت يورث على البناء للمفعول من أورث فما وجهه؟ قلت: الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث. فإن قلت: فالضمير في قوله فلكل واحد منهما إلى من يرجع حينئذ؟ قلت:
إلى الرجل والى أخيه أو أخته وعلى الأول إليهما. فإن قلت: إذا رجع الضمير إليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر الأنثى، فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه؟ قلت: نعم لأنك إذا قلت السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سويت بين الذكر والأنثى. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الكلالة فقال: أقول فيه برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله منه برئ: الكلالة ما خلا الولد والوالد. وعن عطاء والضحاك: أن الكلالة هو الموروث. وعن سعيد بن جبير: هو الوارث. وقد أجمعوا على أن المراد أولاد الام، وتدل عليه قراءة أبي (وله أخ أو أخت من الام) وقراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) وقيل إنما استدل على أن الكلالة ههنا الاخوة للام خاصة بما ذكر في آخر السورة من أن للأختين الثلثين، وأن للاخوة كل المال فعلم ههنا لما جعل للواحد السدس وللاثنين الثلث، ولم يزادوا على السدس شيئا أنه يعني بهم الاخوة للام، وإلا فالكلالة عامة لمن عدا الولد والوالد من سائر الاخوة الأخياف والأعيان وأولاد العلات وغيرهم (غير مضار) حال: أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته، وذلك أن يوصى بزيادة على الثلث، أو يوصى بالثلث فما دونه ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى. وعن قتادة كره الله الضرار في الحياة وعند الممات، ونهى عنه. وعن الحسن: المضارة في الدين أن يوصى بدين ليس عليه، ومعناه الاقرار (وصية من الله) مصدر مؤكد: أي يوصيكم بذلك وصية كقوله (فريضة من الله) ويجوز أن تكون منصوبة بغير مضار: أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بزيادته على الثلث، أو وصية من الله بالأولاد وأن لا يدعهم عالة بإسرافه في الوصية. وينصر هذا الوجه قراءة الحسن غير مضار وصية من الله بالإضافة (والله عليم) بمن جار أو عدل في وصيته (حليم) عن الجائر لا يعاجله وهذا وعيد. فإن قلت: في يوصى ضمير الرجل إذا جعلته الموروث فكيف تعمل إذا جعلته الوارث؟ قلت: كما علمت في قوله تعالى - فلهن ثلثا ما ترك - لأنه علم أن التارك والموصي هو الميت. فإن قلت: فأين ذو الحال فيمن قرأ يوصى بها على
(٥١٠)
مفاتيح البحث: الوصية (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 ... » »»