الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٠٢
إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم
____________________
والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لان إذا متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح، وقوله فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح، فكأنه قيل:
وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم. وقرأ ابن مسعود فإن أحسيتم بمعنى أحسستم، قال * أحسن به فهن إليه شوس * وقرئ رشدا بفتحتين ورشدا بضمتين (إسرافا وبدارا) مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. ثم قسم الامر بين أن يكون الوصي غنيا وبين أن يكون فقيرا، فالغني يستعف من أكلها ولا يطمع ويقتنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقا على اليتيم وإبقاء على ماله، والفقير يأكل قوتا مقدرا محتاطا في تقديره على وجه الأجرة أو استقراضا على ما في ذلك من الاختلاف، ولفظ الاكل بالمعروف والاستعفاف مما يدل على أن للوصي حقا لقيامه عليها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له: إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال: بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله، فقال: أفأضربه؟ قال: مما كنت ضاربا منه ولدك. وعن ابن عباس أن ولي اليتيم قال له: أفأشرب من لبن إبله؟ قال: إن كنت تبغي ضالتها وتلوط حوضها وتهنأ جرباها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. وعنه يضرب بيده مع أيديهم فليأكل بالمعروف ولا يلبس عمامة فما فوقها. وعن إبراهيم: لا يلبس الكتان والحلل، ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة. وعن محمد بن كعب: يتقرم تقرم البهيمة وينزل نفسه منزلة الأجير فيما لا بد منه. وعن الشعبي يأكل من ماله بقدر ما يعين فيه. وعنه كالميتة يتناول عند الضرورة ويقضى. وعن مجاهد:
يستسلف فإذا أيسر أدى. وعن سعيد بن جبير: إن شاء شرب فضل اللبن وركب الظهر ولبس ما يستره من الثياب وأخذ القوت ولا يجاوزه، فإن أيسر قضاه، وإن أعسر فهو في حل. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، وإذا أيسرت قضيت، واستعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة (فأشهدوا عليهم) بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد وأدخل في الأمانة وبراءة الساحة، ألا ترى أنه إذا لم يشهد
(٥٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 502 503 504 505 506 507 ... » »»