الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٩٩
هنيئا مريئا.
____________________
فأنفقوه، قالوا: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم أنها لم تطب عنه نفسا. وعن الشعبي أن رجلا أتى مع امرأته شريحا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح رد عليها، فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى - فإن طبن لكم - قال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه، وعنه أقيلها فيما وهبت ولا أقيله لأنهن يخدعن.
وحكي أن رجلا من آل أبي معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقا كان لها عليه، فلبث شهرا ثم طلقها فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرجل: أعطتني طيبة بها نفسها، فقال عبد الملك: فأين الآية التي بعدها - فلا تأخذوا منه - شيئا أردد عليها. وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته: إن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. وعن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال: إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله به في الآخرة). وروي أن ناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحد منهم في شئ مما ساق إلى امرأته، فقال الله تعالى إن طابت نفس واحدة من غير إكراه ولا خديعة فكلوه سائغا هنيئا. وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن، ولم يقل فإن وهبن أو سمحن إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة. وقيل فإن طبن لكم عن شئ منه. ولم يقل فإن طبن لكم عنها بعثا لهن على تقليل الموهوب. وعن الليث بن سعد: لا يجوز تبرعها إلا باليسير. وعن الأوزاعي لا يجوز تبرعها ما لم تلد أو تقم في بيت زوجها سنة، ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الصداق الواحد فيكون متناولا بعضه، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله لان بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا. الهنئ والمرئ صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ: إذا كان سائغا لا تنغيص فيه، وقيل الهنئ ما يلذه الآكل، والمرئ ما يحمد عاقبته. وقيل هو ما ينساغ في مجراه، وقيل لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة المرئ لمرؤ الطعام فيه وهو انسياغه وهما وصف للمصدر: أي أكلا هنيئا مريئا أو حال من الضمير: أي كلوه وهو هنئ مرئ، وقد يوقف على فكلوه، ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 502 503 504 505 ... » »»