الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٩٧
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا.
____________________
ومحلهن النصب على الحال مما طاب، تقديره فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا. فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع فما معنى التكرير في مثنى وثالث ورباع؟ قلت: الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: فلم جاء العطف بالواو دون أو؟ قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك، ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة علمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. وتحريره أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاءوا مختلفين في تلك الاعداد، وإن شاءوا متفقين فيها محظورا عليهم ما وراء ذلك. وقرأ إبراهيم وثلث وربع على القصر من ثلاث ورباع (فإن خفتم ألا تعدلوا) بين هذه الاعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها (فواحدة) فالزموا أو فاختاروا واحدة وذرو الجمع رأسا، فإن الامر كله يدور مع العدل فأينما وجدتم العدل فعليكم به. وقرئ فواحدة بالرفع على فالمقنع واحدة أو فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة (أو ما ملكت أيمانكم) سوى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت عدد، ولعمري إنهن أقل تبعة وأقصر شغبا وأخف مؤنة من المهائر لا عليك أكثرت منهن أم أقللت عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل عزلت عنهن أم لم تعزل. وقرأ ابن أبي عبلة من ملكت (ذلك) إشارة إلى اختيار الواحدة والتسري (أدنى ألا تعولوا) أقرب من أن لا تميلوا من قولهم عال الميزان عولا: إذا مال، وميزان فلان عائل، وعال الحاكم في حكمه: إذا جار. وروي أن أعرابيا حكم عليه حاكم فقال له: أتعول علي؟ وقد روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تعولوا أن لا تجوروا؟ والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر أن لا تعولوا: أن لا تكثر عيالكم، فوجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم: مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لان من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك
(٤٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 492 493 494 495 496 497 498 499 500 502 503 ... » »»