الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٩٣
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
____________________
وداعيا إليها؟ قلت: لان ذلك مما يدل على القدرة العظيمة ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شئ، ومن المقدورات عقاب العصاة فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه، ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم، فحقهم أن يتقوه في كفرانها والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها، أو أراد بالتقوى تقوى خاصة وهي أن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله، فقيل اتقوا ربكم الذي وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة فيما يجب على بعضكم لبعض فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه، وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة. وقرئ وخالق زوجها وباث منهما بلفظ اسم الفاعل وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو خالق (تساءلون به) تتساءلون به فأدغمت التاء في السين. وقرئ تساءلون بطرح التاء الثانية أي يسأل بعضكم بعضا بالله وبالرحم فيقول: بالله وبالرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف، وأناشدك الله والرحم، أو تسألون غيركم بالله والرحم، فقيل تفاعلون موضع تفعلون للجمع كقولك: رأيت الهلال وتراءيناه وتنصره قراءة من قرأ تسلون به مهموزا وغير مهموز. وقرئ والأرحام بالحركات الثلاث، فالنصب على وجهين:
إما على واتقوا الله والأرحام، أو أن يعطف على محل الجار والمجرور كقولك: مررت بزيد وعمرا وينصره قراءة ابن مسعود تسألون به وبالارحام، والجر على عطف الظاهر على المضمر، وليس بسديد لان الضمير المتصل متصل كاسمه والجار والمجرور كشئ واحد، فكانا في قولك مررت به وزيد، وهذا غلامه وزيد شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة فلم يجز ووجب تكرير العامل كقولك: مررت به وبزيد، وهذا غلامه وغلام زيد. ألا ترى إلى صحة قولك: رأيتك وزيدا، ومررت بزيد وعمرو لما لم يقو الاتصال لأنه لم يتكرر، وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار ونظيرها: فما بك والأيام من عجب، والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل والأرحام كذلك على معنى والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يتساءل به. والمعنى: أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقا وكانوا يتساءلون بذكر الله والرحم، فقيل لهم اتقوا الله الذي خلقكم واتقوا الذين تتناشدون به، واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، أو واتقوا الله الذي تتعاطفون بأذكاره وبأذكار الرحم، وقد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه أن صلتها منه بمكان كما قال - أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا - وعن الحسن: إذا سألك بالله فأعطه، وإذا سألك بالرحم فأعطه، وللرحم حجنة عند العرش. ومعناه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: الرحم معلقة بالعرش، فإذا أتاها الواصل بشت به وكلمته، وإذا أتاها القاطع احتجبت منه. وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام (تخيروا لنطفكم) فقال يقول لأولادكم، وذلك أن يضع ولده في الحلال، ألم تسمع قوله تعالى - واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام - وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر، ثم يختار الصحة ويجتنب الدعوة ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله. اليتامى: الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم، واليتم: الانفراد، ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة، وقيل اليتم في الاناسي من قبل الآباء وفي البهائم من قبل
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»