الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٩٦
إنه كان حوبا كبيرا. وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع
____________________
فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم. والحوب: الذنب العظيم، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (ان طلاق أم أيوب لحوب) فكأنه قيل: إنه كان ذنبا عظيما كبيرا. وقرأ الحسن حوبا بفتح الحاء وهو مصدر حاب حوبا، وقرئ حابا ونظير الحوب والحاب القول والقال والطرد والطرد. ولما نزلت الآية في اليتامى وما في أكل أموالهم من الحوب الكبير خاف الأولياء أن يلحقهم الحوب بترك الأقساط في حقوق اليتامى وأخذوا يتحرجون من ولايتهم، وكان الرجل منهم ربما كان تحته العشر من الأزواج والثمان والست فلا يقوم بحقوقهن ولا يعدل بينهن، فقيل لهم إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم منها فخافوا أيضا ترك العدل بين النساء، فقللوا عدد المنكوحات، لان من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله فهو غير متحرج ولا تائب، لأنه إنما وجب أن يتحرج من الذنب ويتاب منه لقبحه والقبح قائم في كل ذنب. وقيل كانوا لا يتحرجون من الزنا وهم يتحرجون من ولاية اليتامى، فقيل إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا، فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات. وقيل كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال أو يكون وليها فيتزوجها ضنا بها عن غيره، فربما اجتمعت عنده عشر منهن فيخاف لضعفهن وفقد من يغضب لهن أن يظلمهن حقوقهن ويفرط فيما يجب لهن، فقيل لهم: إن خفتم ألا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم، ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة على القلب كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم. وقرأ النخعي تقسطوا بفتح التاء على أن (لا) مزيدة مثلها في لئلا يعلم يريد وإن خفتم أن تجوروا (ما طاب) ما حل (لكم من النساء) لان منهن ما حرم كاللاتي في آية التحريم، وقيل (ما) ذهابا إلى الصفة ولان الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى - أو ما ملكت أيمانكم - (مثنى وثلاث ورباع) معدولة عن أعداد مكررة وإنما منعت الصرف لما فيها من العدلين عدلها عن صيغها وعدلها عن تكررها، وهي نكرات يعرفن بلام التعريف، تقول: فلان ينكح المثنى والثلاث والرباع
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 502 ... » »»