الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٠٠
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها
____________________
كأنه قيل: هنأ مرأ، وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة (السفهاء) المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدي لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء. وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال - ولا تقتلوا أنفسكم - فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله: وارزقوهم فيها واكسوهم. (جعل الله لكم قياما) أي تقومون بها وتنتعشون ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها في أنفسها قيامكم وانتعاشكم. وقرئ فيما بمعنى قياما كما جاء عوذا بمعنى عياذا. وقرأ عبد الله بن عمر قواما بالواو، وقوام الشئ ما يقام به كقولك: هو ملاك الامر لما يملك به. وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولان أترك ما لا يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس.
عن سفيان وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره قيل له: إنها تدنيك من الدنيا.
لئن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا إنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة فقالوا له اذهب إلى دكانك (وارزقوهم فيها) واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الانفاق. وقيل هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده (قولا معروفا) قال ابن جريج: عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وعن عطاء: إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظا. وقيل إن لم يكن ممن وجبت عليك نفقته فقل عافانا الله وإياك، بارك الله فيك، وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته لحسنه عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف، وما أنكرته ونفرت منه لقبحه فهو منكر (وابتلوا اليتامى) واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ حتى إذا تبينتم منهم رشدا: أي هداية دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ. وبلوغ النكاح:
أن يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده، ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد والتناسل. الايناس: الاستيضاح
(٥٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 495 496 497 498 499 500 502 503 504 505 506 ... » »»