الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٩١
ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد. لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار. وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب. يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
____________________
وكل زائل قليل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) (وبئس المهاد) وساء ما مهدوا لأنفسهم. النزل والنزل ما يقام للنازل: قال أبو الشعراء الضبي:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا وانتصابه إما على الحال من جنات لتشخصها بالوصف والعامل اللام، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء (من عند الله وما عند الله) من الكثير الدائم (خير للأبرار) مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل. وقرأ مسلمة بن محارب والأعمش نزلا بالسكون وقرأ يزيد بن القعقاع: لكن الذين اتقوا بالتشديد (وإن من أهل الكتاب) عن مجاهد نزلت في عبد الله بن سلام وغيره من مسلمة أهل الكتاب، وقيل في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا. وقيل في أصحمة النجاشي ملك الحبشة، ومعنى أصحمة: عطية بالعربية: وذلك أنه لما مات نعاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فخرج إلى البقيع، ونظر إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه واستغفر له. فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط وليس على دينه فنزلت، ودخلت لام الابتداء على اسم إن لفصل الظرف بينهما كقوله - وإن منكم لمن ليبطئن - (وما أنزل إليكم) من القرآن (وما أنزل إليهم) من الكتابين (خاشعين لله) حال من فاعل يؤمن لان من يؤمن في معنى الجمع (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم (أولئك لهم أجرهم عند ربهم) أي ما يختص بهم من الاجر وهو ما وعدوه في قوله - أولئك يؤتون أجرهم مرتين - يؤتكم كفلين من رحمته - (ان الله سريع الحساب) لنفوذ علمه في كل شئ فهو عالم بما يستوجبه كل عامل من الاجر. ويجوز أن يراد إنما توعدون لآت قريب بعد ذكر الموعد (اصبروا) على الدين وتكاليفه (وصابروا) أعداء الله في الجهاد:
أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا. والمصابرة باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصا لشدته وصعوبته (ورابطوا) وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها، مترصدين مستعدين للغزو، قال عز وجل - ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم - وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه، لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة). عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم) وعنه عليه الصلاة والسلام (من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تحجب الشمس).
(٤٩١)
مفاتيح البحث: الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 ... » »»