الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٨٥
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم وإن كنتم صادقين. فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير. كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. لتبلون في أموالكم وأنفسكم
____________________
قلت: معنى كونه غير ظلام للعبيد أنه عادل عليهم، ومن العدل أن يعاقب المسئ منهم ويثيب المحسن (عهد إلينا) أمرنا في التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الآية الخاصة، وهو أن يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله كما كان أنبياء بني إسرائيل تلك آيتهم، كان يقرب بالقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتأكله، وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله لان أكل النار القربان لم يوجب الايمان للرسول الآتي به إلا لكونه آية ومعجزة، فهو إذن وسائر الآيات سواء، فلا يجوز أن يعينه الله تعالى من بين الآيات، وقد ألزمهم الله أن أنبياءهم جاءوهم بالبينات الكثيرة التي أوجبت عليهم التصديق وجاءوهم أيضا بهذه الآية التي اقترحوها، فلم قتلوهم إن كانوا صادقين أن الايمان يلزمهم بإتيانها. وقرئ بقربان بضمتين ونظيره السلطان. فإن قلت: ما معنى قوله (وبالذي قلتم)؟ قلت: معناه وبمعنى الذي قلتموه من قولكم قربان تأكله النار، ومؤداه كقوله - ثم يعودون لما قالوا - أي لمعنى ما قالوا. في مصاحف أهل الشام وبالزبر وهي الصحف (والكتاب المنير) التوراة والإنجيل والزبور، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه وتكذيب اليهود. وقرأ اليزيدي ذائقة الموت على الأصل، وقرأ الأعمش ذائقة الموت بطرح التنوين مع النصب كقوله * ولا ذاكر الله إلا قليلا * فإن قلت: كيف اتصل به قوله (وانما توفون أجوركم)؟ قلت: اتصاله به على أن كلكم تموتون ولا بد لكم من الموت ولا توفون أجوركم على طاعتكم ومعاصيكم عقيب موتكم وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور. فإن قلت: فهذا يوهم نفي ما يروى (إن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار). قلت: كلمة التوفية تزيل هذا الوهم، لان المعنى أن توفيه الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور. الزحزحة التنحية، والابعاد تكرير الزح وهو الجذب بعجلة (فقد فاز) فقد حصل له الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به ولا غاية للفوز وراء النجاة من سخط الله والعذاب السرمد ونيل رضوان الله والنعيم المخلد. اللهم وفقنا لما ندرك به عندك الفوز في المآب.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم
(٤٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 ... » »»