الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٨٢
إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم.
إن الذين اشتروا الكفر بالايمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب اليم. ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما
____________________
فما معنى قوله: ولا يحزنك، ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتد؟ قلت: معناه لا يحزنوك لخوف أن يضروك ويعينوا عليك، ألا ترى إلى قوله، (إنهم لن يضروا الله شيئا) يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم وما وبال ذلك عائدا على غيرهم. ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله (يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة) أي نصيبا من الثواب (ولهم) بدل الثواب (عذاب عظيم) وذلك أبلغ ما ضر به الانسان نفسه.
فإن قلت: هلا قيل لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ قلت: فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية به، حتى إن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم (إن الذين اشتروا الكفر بالايمان) إما أن يكون تكريرا لذكرهم للتأكيد والتسجيل عليهم بما أضاف إليهم، وإما أن يكون عاما للكفار والأول خاصا فيمن نافق من المتخلفين أو ارتد عن الاسلام أو على العكس و (شيئا) نصب على المصدر، لان المعنى: شيئا من الضرر وبعض الضرر (الذين كفروا) فيمن قرأ بالتاء نصب و (أنما نملي لهم خير لأنفسهم) بدل منه: أي ولا تحسبن أن ما نملي للكافرين خير لهم، وأن مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين كقوله - أم تحسب أن أكثرهم يسمعون - وما مصدرية بمعنى: ولا تحسبن أن إملاءنا خير، وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في الامام متصلة فلا يخالف، وتتبع سنة الامام في خط المصاحف. فان قلت: كيف صح مجئ البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟ قلت: صح ذلك من حيث إن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى، إلا تراك تقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك، ويجوز أن يقدر مضاف محذوف على: ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الاملاء خير لأنفسهم، أو ولا تحسبن حال الذين كفروا أن الاملاء خير لأنفسهم، وهو فيمن قرأ بالياء رفع والفعل متعلق بأن وما في حيزه، والاملاء لهم تخليتهم وشأنهم مستعار من أملى لفرسه: إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء، وقيل هو إمهالهم وإطالة عمرهم. والمعنى: ولا تحسبن أن الاملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم (إنما تملى لهم) ما هذه حقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون الأولى، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها كأنه قيل:
ما بالهم لا يحسبون الاملاء خيرا لهم؟ فقيل إنما نملي لهم ليزدادوا إثما. فإن قلت: كيف جاز أن يكون ازدياد الاثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم؟ قلت: هو علة للاملاء، وما كل علة بغرض، ألا تراك تقول: قعدت عن الغزو
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»