الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٨٩
فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار. ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض،
____________________
وأن يخلق شيئا بغير حكمة (فقد أخزيته) فقد أبلغت في إخزائه وهو نظير قوله - فقد فاز - ونحوه في كلامهم: من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك ومن سبق فلانا فقد سبق (وما للظالمين) اللام إشارة إلى من يدخل النار وإعلام بأن من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها. تقول: سمعت رجلا كذا وسمعت زيدا يتكلم، فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد، وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله. فإن قلت: فأي فائدة في الجمع بين المنادى والمنادي؟
قلت: ذكر النداء مطلقا ثم مقيدا بالايمان تفخيما لشأن المنادى، لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادي للايمان، ونحوه قولك: مررت بهاد يهدي للاسلام، وذلك أن المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لاطفاء النائرة أو لإغاثة المكروب أو لكفاية بعض النوازل أو لبعض المنافع، وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق ويهدى لسداد الرأي وغير ذلك، فإذا قلت: ينادي للايمان ويهدي للاسلام فقد رفعت من شأن المنادي والهادي وفخمته، ويقال دعاه لكذا والى كذا، وندبه له واليه، وناداه له واليه، ونحوه: هداه للطريق واليه، وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعا، والمنادى هو الرسول - أدعو إلى الله -، و- ادع إلى سبيل ربك - وعن محمد بن كعب القرآن (أن آمنوا) أي آمنوا أو بأن آمنوا (ذنوبنا) كبائرنا (سيآتنا) صغائرنا (مع الأبرار) مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم. والأبرار جمع بر أو بار كرب وأرباب وصاحب وأصحاب (على رسلك) على هذه صلة للوعد كما في قولك: وعد الله الجنة على الطاعة، والمعنى: ما وعدتنا على تصديق رسلك، ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادي للايمان وهو الرسول، وقوله آمنا وهو التصديق ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف:
أي ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك، لان الرسل محملون ذلك - فإنما عليه ما حمل - وقيل على ألسنة رسلك، والموعود هو الثواب، وقيل النصرة على الأعداء. فإن قلت: كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد؟ قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد، أو هو باب من اللجأ إلى الله والخضوع له كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك التذلل لربهم والتضرع إليه واللجأ الذي هو سيما العبودية. يقال استجاب له واستجابه * فلم يستجبه عند ذاك مجيب * (أني لا أضيع) قرئ بالفتح على حذف الباء وبالكسر على إرادة القول، وقرئ لا أضيع بالتشديد (من ذكر أو أنثى) بيان لعامل (بعضكم من بعض) أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر:
أي من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم. وقيل المراد وصلة الاسلام، وهذه جملة معترضة بينت بها
(٤٨٩)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»