الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٨٧
بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا يحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم. ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شئ قدير. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.
____________________
فائزين، وفلا يحسبنهم تأكيد. ومعنى (بما أتوا) بما فعلوا، وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل قال الله تعالى - إنه كان وعده مأتيا، لقد جئت شيئا فريا - ويدل عليه قراءة أبي يفرحون بما فعلوا وقرئ آتوا بمعنى أعطوا وعن علي رضي الله عنه بما أوتوا ومعنى (بمفازة من العذاب) بمنجاة منه. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شئ مما في التوراة، فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم: أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ناجين من العذاب ومعنى يفرحون بما أتوا: بما أوتوه من علم التوراة، وقيل يفرحون بما فعلوا من كتمان نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من اتباع دين إبراهيم حيث ادعوا أن إبراهيم كان على اليهودية وأنهم على دينه، وقيل هم قوم تخلفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قفل اعتذروا إليه بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا إليه بترك الخروج. وقيل هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الايمان للمسلمين ومنافقتهم وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم، ويستحمدون إليهم بالايمان لذي لم يفعلوه على الحقيقة لإبطانهم الكفر. ويجوز أن يكون شاملا لكل من يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب، ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد وبما ليس فيه (ولله ملك السماوات والأرض) فهو يملك أمرهم وهو على كل شئ قدير فهو يقدر على عقابهم (لآيات) لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته (لأولي الألباب) للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر. وفي النصائح الصغار: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وأطالت ثم قالت: كل أمره عجب، أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال: يا عائشة هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي؟ فقلت:
يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك، فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن، فجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي، ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى أيت دموعه قد بلت الأرض، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له: يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا؟ ثم قال: ومالي لا أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة - إن في خلق السماوات والأرض - ثم قال:
ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها). وروي: (ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها) وعن علي رضي الله عنه: أن النبي
(٤٨٧)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»