الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٧٨
أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون. الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.
____________________
الآخرة دفعا عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأسا لنفاقهم ودغلهم، وذلك ما روي أن عبد الله بن أبي انخزل مع حلفائه فقيل له فقال ذلك، وقيل (أو ادفعوا) العدو بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا، لان كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه. وعن سهل بن سعد الساعدي وقد كف بصره: لو أمكنني لبعت داري ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوهم، قيل وكيف وقد ذهب بصرك؟
قال لقوله أو ادفعوا - أراد كثروا سوادهم. ووجه آخر وهو ان يكون معنى قولهم (لو نعلم قتالا) لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا (لاتبعناكم) يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشئ ولا يقال لمثله قتال إنما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة، لان رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان) معنى أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالايمان، وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الايمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر. وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الايمان، لان تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين (يقولون بأفواههم) لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم ولا تعي قلوبهم منه شيئا. وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم، وأن إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم (والله أعلم بما يكتمون) من النفاق وبما يجري بعضهم من بعض من ذم المؤمنين وتجهيلهم وتخطئة رأيهم والشماتة بهم وغير ذلك، لأنكم تعلمون بعض ذلك علما مجملا بأمارات وأنا اعلم كله علم إحاطة بتفاصيله وكيفياته (الذين قالوا) في إعرابه أوجه: أن يكون نصبا على الذم، أو على الرد على الذين نافقوا، أو رفعا على هم الذين قالوا، أو على الابدال من واو يكتمون. ويجوز أن يكون مجرورا بدلا من الضمير في بأفواههم أو قلوبهم كقوله * على جوده لضن بالماء حاتم * (لإخوانهم) لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو بإخوانهم في النسب وفي سكنى الدار (وقعدوا) أي قالوا وقد قعدوا عن القتال: لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل (قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) معناه: قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال فجدوا إلى دفع الموت سبيلا: يعني أن ذلك الدفع غير مغن عنكم، لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها. وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا. فإن قلت: فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود فما معنى قوله - إن كنتم صادقين؟ قلت:
(٤٧٨)
مفاتيح البحث: الموت (1)، القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 ... » »»