الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٧١
ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون. ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا
____________________
وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح دبورا وكانت صبا حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا وهو قوله (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها (ولقد عفا عنكم) لما علم من ندمكم على ما فرط منكم من عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله ذو فضل على المؤمنين) يتفضل عليهم بالعفو، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم، لأن الابتلاء رحمة كما أن النصرة رحمة. فإن قلت: أين متعلق حتى إذا؟ قلت: محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره، ويجوز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم (إذ تصعدون) نصب بصرفكم أو بقوله ليبتليكم أو بإضمار أذكر، والإصعاد: الذهاب في الأرض والإبعاد فيها، يقال صعد في الجبل وأصعد في الأرض، يقال أصعدنا من مكة إلى المدينة. وقرأ الحسن رضي الله عنه تصعدون: يعني في الجبل، وتعضد الأولى قراءة أبي: إذ تصعدون في الوادي، قرأ أبو حياة تصعدون بفتح التاء وتشديد العين من تصعد في السلم. وقرأ الحسن رضي الله عنه تلون بواو واحدة وقد ذكرنا وجهها، وقرئ يعصدون ويلوون بالياء (والرسول يدعوكم) كان يقول " إلي عباد الله إلي عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة " (في أخراكم) في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة، يقال جئت في آخر الناس وأخراهم كما تقول: في أولهم وأولاهم بتأويل مقدمهم وجماعتهم الأولى (فأثابكم) عطف على (صرفكم) أي فجازاكم الله (غما) حين صرفكم عنهم وابتلاكم (ب‍) سبب (غم) أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له أو غما مضاعفا غما بعد غم وغما متصلا بغم من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر (لكيلا تحزنوا) لتتمرنوا على تجرع الغموم وتضروا باحتمال الشدائد، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ولا على مصيب من المضار، ويجوز أن يكون الضمير في فأثابكم للرسول: أي فآساكم في الاغتمام وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم فأثابكم غما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله، ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم لأمره، وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر الله ولا على ما أصابكم من غلبة العدو. وأنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. وعن أبي طلحة رضي الله عنه: غشينا النعاس ونحن في مصافنا، فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه، وما أحد إلا ويميل تحت حجفته. وعن ابن الزبير رضي الله عنه: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف، فأرسل الله علينا النوم، والله إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني: لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا. والأمنة الأمن، وقرئ أمنة بسكون الميم كأنها المرة من الأمن، و (نعاسا) بدل من أمنة، ويجوز أن يكون هو المفعول وأمنة حالا
(٤٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 ... » »»