الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٧٧
يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير. وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله
____________________
ذروة خندف، وقريش ذروة مدركة، وذروة قريش محمد صلى الله عليه وسلم. وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة رضي الله عنها وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقرئ لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم. وفيه وجهان: أن يراد لمن من الله على المؤمنين منه، أو بعثه إذ بعث فيهم، فحذف لقيام الدلالة، أو يكون إذ في محل رفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، بمعنى لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه، (يتلوا عليهم آياته) بعد ما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شئ من الوحي (ويزكيهم) ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث، وقيل ويأخذ منهم الزكاة (ويعلمهم الكتاب والحكمة) القرآن والسنة بعد ما كانوا اجهل الناس وابعدهم من دراسة العلوم (وان كانوا من قبل) من قبل بعثة الرسول (لفي ضلال) أن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وتقديره: وإن الشأن وإن الحديث كانوا من قبل في ضلال (مبين) ظاهر لا شبهة فيه (أصابتكم مصيبة) يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم (قد أصبتم مثليها) يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين. ولما نصب بقتلتم وأصابتكم في محل الجر بإضافة لما إليه، وتقديره:
أقلتم حين أصابتكم، و (أنى هذا) نصب لأنه مقول والهمزة للتقرير والتقريع. فإن قلت: علام عطفت الواو هذه الجملة؟ قلت: على ما مضى من قصة أحد من قوله - ولقد صدقكم الله وعده - ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف كأنه قيل أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا أنى هذا من أين هذا كقوله تعالى - أنى لك هذا - لقوله (من عند أنفسكم) وقوله من عند الله، والمعنى: أنتم السبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة أو لتخليتكم المركز.
وعن علي رضي الله عنه لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم (إن الله على كل شئ قدير) فهو قادر على النصر وعلى منعه، وعلى أن يصيب بكم تارة ويصيب منكم أخرى (وما أصابكم) يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين (ف‍) - هو كائن (بإذن الله) أي بتخليته، استعار الاذن لتخليته الكفار وأنه لم يمنعهم فهم ليبتليهم، لان الآذن محل بين المأذون له، ومراده (وليعلم) وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء (وقيل لهم) من جملة الصلة عطف على نافقوا، وإنما لم يقل فقالوا لأنه جواب لسؤال اقتضاه دعاء المؤمنين لهم إلى القتال، كأنه قيل: فماذا قالوا لهم؟ فقيل قالوا: لو نعلم. ويجوز أن تقتصر الصلة على نافقوا ويكون وقيل لهم كلاما مبتدأ. قسم الامر عليهم بين أن يقاتلوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون وبين أن يقاتلوا إن لم يكن بهم غم
(٤٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 ... » »»