الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٨١
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين. ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر
____________________
نعيم هو المثبط وحده؟ قلت: قيل ذلك لأنه من جنس الناس كما يقول: فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله إلا فرس واحد وبرد فرد، أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه ويصلون جناح كلامه ويثبطون مثل تثبيطه. فإن قلت: إلام يرجع المستكن في (فزادهم)؟ قلت: إلى المقول الذي هو إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، كأنه قيل: قالوا لهم هذا الكلام فزادهم إيمانا، أو إلى مصدر قالوا كقولك من صدق كان خيرا له، أو إلى الناس إذا أريد به نعيم وحده. فإن قلت: كيف زادهم نعيم أو مقوله إيمانا؟ قلت: لما لم يسمعوا قوله واخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد وأظهروا حمية الاسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم كما يزداد الايقان بتناصر الحجج، ولان خروجهم على أثر تثبيطه إلى وجهة العدو طاعة عظيمة، والطاعات من جملة الايمان، لان الايمان اعتقاد وإقرار وعمل. وعن ابن عمر قلنا: يا رسول الله إن الايمان يزيد وينقص؟ قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة، وينقص حتى يدخل صاحبه النار. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ بيد الرجل فيقول: قم بنا نزدد إيمانا. وعنه (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به) (حسبنا الله) محسبنا:
أي كافينا، يقال أحسبه الشئ إذا كفاه، والدليل على أنه بمعنى المحسب أنك تقول: هذا رجل حسبك، فتصف به النكرة لان إضافته لكونه في معنى اسم الفاعل غير حقيقية (ونعم الوكيل) ونعم الموكول إليه هو (فانقلبوا) فرجعوا من بدر (بنعمة من الله) وهي السلامة وحذر العدو منهم (وفضل) هو الربح في التجارة كقوله - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - (لم يمسسهم سوء) لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدو (واتبعوا رضوان الله) بجرأتهم وخروجهم (والله ذو فضل عظيم) قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عنهم وإظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء. وروي أنهم قالوا: هل يكون هذا غزو فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم (الشيطان) خبر ذلكم بمعنى إنما ذلكم المثبط هو الشيطان، ويخوف أولياءه جملة مستأنفة بيان لشيطنته أو الشيطان صفة لاسم الإشارة، ويخوف الخبر، والمراد بالشيطان نعيم أو أبو سفيان، ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف بمعنى: إنما ذلكم قول الشيطان: أي قول إبليس لعنه الله (يخوف أولياءه) يخوفكم أولياءه الذين هم أبو سفيان وأصحابه، وتدل عليه قراءة ابن عباس وابن مسعود: يخوفكم أولياءه، وقوله:
فلا تخافوهم، وقيل يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: فإلام رجع الضمير في (فلا تخافوهم) على هذا التفسير؟ قلت: إلى الناس في قوله إن الناس قد جمعوا لكم فلا تخافوهم فتقعدوا عن القتال وتجبنوا (وخافون) فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمركم به (إن كنتم مؤمنين) يعني أن الايمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس ولا يخشون أحدا إلا الله (يسارعون في الكفر) يقعون فيه سريعا ويرغبون فيه أشد رغبة، وهم الذين نافقوا من المتخلفين، وقيل هم قوم ارتدوا عن الاسلام. فإن قلت:
(٤٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 ... » »»