الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٢٦
وذريتها من الشيطان الرجيم. فتقبلها ربها بقبول حسن
____________________
معترضتان كقوله تعالى - وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - فإن قلت: فلم ذكرت تسميتها مريم لربها؟ قلت: لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها وأن يصدق فيها ظنها بها، ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وإغوائه، وما يروى من الحديث " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها " فالله أعلم بصحته، فإن صح فمعناه: أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى - لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين - واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه، ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا مما يبلونا به من نخسه (فتقبلها ربها) فرضي بها في النذر مكان الذكر (بقبول حسن) فيه وجهان:
أحدهما أن يقول القبول اسم ما تقبل به الشئ كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد، وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك، أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة وروي أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريا: أنا أحق بها، عندي خالتها، فقالوا
(٤٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 ... » »»