____________________
قلت: معنى القراءة بالتاء الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم فهو إخبار بمعنى سيغلبون ويحشرون وهو الكائن من نفس المتوعد به، والذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه كأنه قال: أد إليهم هذا القول الذي هو قولي لك سيغلبون ويحشرون (قد كان لكم آية) الخطاب لمشركي قريش (في فئتين التقتا) يوم بدر (يرونهم مثليهم) يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا وعشرين أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم، وكان ذلك مددا لهم من الله كما أمدهم بالملائكة، والدليل عليه قراءة نافع ترونهم بالتاء أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة أو مثلي أنفسهم. فإن قلت: فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال: ويقللكم في أعينهم. قلت: قللوا أولا في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين، ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى - فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان - وقوله تعالى - وقفوهم إنهم مسؤولون - وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية، وقيل يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين ما قرر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى - فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين - بعد ما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله تعالى - إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين - ولذلك وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف وكان الكافرون ثلاثة أمثالهم، وقراءة نافع لا تساعد عليه، وقرأ ابن مصرف يرونهم على البناء للمفعول بالياء والتاء: أي يريهم الله ذلك بقدرته، وقرئ فئة تقاتل وأخرى كافرة بالجر على البدل من فئتين وبالنصب على الاختصاص أو على الحال من الضمير في التقتا (رأي العين) يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها