الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٢٣
المصير. قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شئ قدير. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله
____________________
(إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضي الله (يعلمه) ولم يخف عليه وهو الذي (يعلم ما في السماوات وما في الأرض) لا يخفى عليه منه شئ قط فلا يخفى عليه سركم وعلنكم (والله على كل شئ قدير) فهو قادر على عقوبتكم، وهذا بيان لقوله ويحذركم الله نفسه، لأن نفسه وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتي لا تختص بمعلوم دون معلوم فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور فهي قادرة على المقدورات كلها، فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب، ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله فوكل همه بما يورد ويصدر ونصب عليه عيونا وبث من يتجسس عن بواطن أموره لأخذ حذره وتيقظ في أمره واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة، فما بال من علم أن العالم الذات الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك (يوم تجد) منصوب بتود، والضمير في بينه لليوم: أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهوله أمدا بعيدا، ويجوز أن ينتصب يوم تجد بمضمر نحو أذكر ويقع على ما عملت وحده ويرتفع وما عملت على الابتداء، وتود خبره: أي والذي عملته من سوء تود هي لو تباعد ما بينها وبينه ولا يصح أن تكون ما شرطية لارتفاع تود. فإن قلت: فهل يصح أن تكون شرطية على قراءة عبد الله ودت؟ قلت: لا كلام في صحته ولكن الحمل على الابتداء، والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم وأثبت لموافقة قراءة العامة، ويجوز أن يعطف وما عملت على ما عملت ويكون تود حالا: أي يوم تجد عملها محضرا وادة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء محضرا كقوله تعالى - ووجدوا ما عملوا حاضرا - يعني مكتوبا في صحفهم يقرءونه ونحوه فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه، والأمد المسافة كقوله تعالى - يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين - وكرر قوله (ويحذركم الله نفسه) ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه (والله رؤوف بالعباد) يعني أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى رضاه واجتناب سخطه، وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه، ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذورا لعلمه وقدرته مرجوا لسعة رحمته كقوله تعالى - إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم - محبة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها، ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم. والمعنى: إن كنتم مريدين لعبادة الله على الحقيقة (فاتبعوني) حتى يصح ما تدعونه من إرادة عبادته يرضى عنكم ويغفر لهم. وعن الحسن زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فأراد أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل، فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»