الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٢٨
ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين. قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء.
قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام
____________________
إيشاع ولد مثل ولد أختها حنة في النجابة والكرامة على الله وإن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت أختها كذلك، وقيل لما رأى الفاكهة في غير وقتها انتبه على جواز ولادة العاقر (ذرية) ولدا والذرية تقع على الواحد والجمع (سميع الدعاء) مجيبه، قرئ فناداه الملائكة، وقيل ناداه جبريل عليه السلام وإنما قيل الملائكة على قولهم فلان يركب الخيل (أن الله يبشرك) بالفتح على بأن الله وبالكسر على إرادة القول، أو لأن النداء نوع من القول، وقرئ يبشرك ويبشرك من بشره ويبشرك بفتح الياء من بشره. ويحيى إن كان أعجميا وهو الظاهر فمنع صرفه للتعريف والعجمة كموسى وعيسى، وإن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل كيعمر (مصدقا بكلمة من الله) مصدقا بعيسى مؤمنا به، قيل هو أول من آمن به، وسمي عيسى كلمة لأنه لا يوجد إلا بكلمة الله وحدها وهي قوله كن من غير سبب آخر. وقيل مصدقا بكلمة من الله مؤمنا بكتاب منه، وسمي الكتاب كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته. والسيد الذي يسود قومه: أي يفوقهم في الشرف، وكان يحيى فائقا لقومه وفائقا للناس كلهم في أنه لم يركب سيئة قط ويا لها من سيادة. والحصور: الذي لا يقرب النساء حصرا لنفسه: أي منعا لها من الشهوات، وقيل هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني * لا بالحصور ولا فيها بسآر فاستعير لمن لا يدخل في اللهو. وقد روي أنه مر وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت (من الصالحين) ناشئا من الصالحين لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين كقولهم - وإنه في الآخرة لمن الصالحين - (أنى يكون لي غلام) استبعاد من حيث العادة كما قالت مريم (وقد بلغني الكبر) كقولهم أدركته السن العالية، والمعنى: أثر في الكبر فأضعفني وكانت له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون (كذلك) أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر، أو كذلك الله مبتدأ وخبر: أي على نحو هذه الصفة الله ويفعل ما يشاء بيان له: أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات (آية) علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر (قال أيتك) أن لا تقدر على تكليم الناس (ثلاثة أيام) وإنما خص تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»