الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٢٢
من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير. تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب. لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله
____________________
لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا؟ فنزلت ". فإن قلت: كيف قال (بيدك الخير) فذكر الخير دون الشر. قلت: لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال: بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن كل أفعال الله تعالى من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه. ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما وحال الحي والميت في إخراج إحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفي بعض الكتب " أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم لهم رحمة وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم " وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام " كما تكونوا يولى عليكم " نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر، وقد كرر ذلك في القرآن - ومن يتولهم منكم فإنه منهم - لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء - لا تجد قوما يؤمنون بالله - الآية والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان (من دون المؤمنين) يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شئ يقع عليه اسم الولاية، يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأسا، وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان. قال:
تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك ليس النوك عنك بعازب (إلا أن تتقوا منهم تقاة) إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وقرئ تقية، قيل للمتقي تقاة وتقية كقولهم ضرب الأمير لمضروبه رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع ممن قشر العصا كقول عيسى صلوات الله عليه: كن وسطا وامش جانبا (ويحذركم الله نفسه) فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد، ويجوز أن يضمن تتقوا معنى تحذروا وتخافوا فيعدى بمن وينتصب تقاة أو تقية على المصدر كقوله تعالى - اتقوا الله حق تقاته -
(٤٢٢)
مفاتيح البحث: الموت (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»