الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٣٠
إذ يختصمون. إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين.
____________________
اختاروها للقرعة تبركا بها (إذ يختصمون) في شأنها تنافسا في التكفل بها. فإن قلت: أيهم يكفل بما تتعلق؟ قلت:
بمحذوف دل عليه يلقون أقلامهم كأنه قيل يلقونها ينظرون أيهم يكفل أو ليعلموا أو يقولون (المسيح) لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك، كقوله: وجعلني مباركا أينما كنت، وكذلك (عيسى) معرب من أيشوع ومشتقهما من المسح والعيس كالراقم في الماء. فإن قلت: إذ قالت بم يتعلق؟ قلت: هو بدل من وإذ قالت الملائكة، ويجوز أن يبدل من إذ يختصمون على أن الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع كما تقول لقيته سنة كذا. فإن قلت: لم قيل عيسى ابن مريم والخطاب لمريم؟ قلت: لأن الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين. فإن قلت: لم ذكر ضمير الكلمة؟ قلت: لأن المسمى بها مذكر. فإن قلت: لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم وهذه ثلاثة أشياء الاسم منها عيسى وأما المسيح والابن فلقب وصفة؟
قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة (وجيها) حال من كلمة وكذلك قوله - ومن المقربين ويكلم ومن الصالحين - أي يبشرك به موصوفا بهذه الصفات وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة، والوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة، وكونه (من المقربين) رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة، والمهد ما يمهد للصبي من مضجعه سمي بالمصدر، و (في المهد) في محل النصب على الحال، و (كهلا) عطف عليه بمعنى ويكلم الناس طفلا وكهلا، ومعناه: يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»